العوامل التی تغیّر الإنسان اثنان، أولها هی العوامل التی تغزو الإنسان من الخارج وتحاول أن تغیره. والثانیة هی التی تفور من قلب الإنسان وفؤاده وتنعکس على جوارحه وأعضائه. لا شک أن کلا العوامل مؤثرة ولابد للإنسان أن یحمل کلیهما على محمل الجدّ. ولکن العوامل الداخلیة أکثر وأعمق وأدوم تأثیرا من العوامل الخارجیة. بل لا یمکن أن تؤثر العوامل الخارجیة إلا وأن یکون لها مساعد من الداخل. 

أضرب مثالا: إن الموعظة المفیدة مؤثرة فی قلب الإنسان خاصة بعد ما قبلها واعتنقها، ولکن نفس هذه الموعظة بنفس المضمون لو کانت نابعة من قلب الإنسان وداخله، لکان تأثیرها أعمق وألصق بالفؤاد. ولهذا عندما نراجع الآیات والروایات نجد أن الإسلام لم یهتمّ بالعوامل الواردة من الخارج بقدر اهتمامه بالعوامل النابعة من الذات. حتى حدیث النبی وصوت النبی ـ صلى الله علیه وآله ـ وکلام الله فی القرآن غیر منتج إن لم یفعّل الإنسان حیاة قلبه.

الإیمان أساس الدین وهو عبارة عن حقیقة فی القلب. إن شدة الإیمان وضعفه مرتبط بمدى معرفة قلب الإنسان. إنه أمر باطنی ذاتی وهو الحاسم فی مدى استیعاب الإنسان للعوامل الإیجابیة الخارجیة ومدى مقاومته ومناعته تجاه العوامل السلبیة الخارجیة. ولهذا قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): من عدم الفهم عن الله سبحانه لم ینتفع بموعظة واعظ. [غرر الحکم، ص82] وقال علیه السلام: من لم یعنه الله على نفسه لم ینتفع بموعظة واعظ. [غرر الحکم، ص 240] 

إن الصلاة تمرین وتدریب قلبی وبهذا التمرین تصبح معراج المؤمن، والمهم فیها هو التفاعل القلبی مع أذکار الصلاة وأعمالها ولولا هذا التفاعل تکاد أن لا تقبل من العبد. فروی عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: إِنَّ الْعَبْدَ یُرْفَعُ لَهُ ثُلُثُ صَلَاتِهِ وَ نِصْفُهَا وَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَ أَقَلُّ وَ أَکْثَرُ عَلَى قَدْرِ سَهْوِهِ فِیهَا. [الکافی3، ص363] 

کذلک حب أهل البیت وارتقاء الإنسان فی حبّهم والبکاء على الإمام الحسین علیه السلام، کلها عبارة عن حرکة ذاتیة ونشاط قلبی. 

یبدو أن الله سبحانه وتعالى أراد للإنسان حیاة هادئة تفسح له مجال التفکیر وتوفر له أجواء النشاط القلبی. أما الحیاة الحدیثة التی جاء بها الغرب تمشی تماما عکس هذا الاتجاه. فأین ما نولی فی هذه الحیاة الحدیثة تغزونا عشرات ومئات العوامل المغریة من الخارج وتسعى للفت أنظارنا. فإذا انساب الإنسان مع هذا التیار الجارف وتعوّد على الملهیات والمغریات والملفتات التی لا تنفک عنه أینما ذهب، یفقد شیئا فشیئا طاقته الذاتیة ویعجز عن الترکیز والتفکیر وحده بلا عامل خارجی. وبالتالی یعجز عن التفکیر فی الغیب، إذ أن طبیعة الغیب والمفاهیم التی لابد للإنسان أن یفکر فیها طیل حیاته، لا تصور بالفیلم والبوستر وأفلام الکارتون والموسیقى، وحتى إن أمکن الإشارة إلى بعض هذه المفاهیم بهذه الأدوات فإنها معدومة أثناء صلاة العبد بین یدی خالقه. إذ یجب على الإنسان المصلی أن یرکز على مفاهیم غیبیة بلا موسیقى ودراما وکارتون... وهذا أصعب شیء على من أدمن على هذه العوامل. إن الإدمان على مشاهدة المسلسلات والأفلام الهادفة والتربویة والإسلامیة یضر بنشاط وحیویة قلب الإنسان فما بالک بالأفلام التافهة والسخیفة.