إن علامة السفهاء السطحيّين على مرّ التاريخ، هو الجمود وعدم قابليّتهم في تشخيص الأهم عن المهم وعصيانهم على تغيير التكليف. فإنهم يحترمون ظاهر القرآن مطلقا، ولو دعا إلى الحكمية في صفّين. ويحترمون دم المسلم مطلقا، ولو خرج على أمير المؤمنين(ع). ومناسك الحج عندهم خط أحمر مطلقا، ولو كان الحسين(ع) مغادرا مكّة. والصلح مع العدوّ عندهم ذنب لا يُغفَر مطلقا، ولو كان الإمام الحسن(ع) قد اتخذ هذا القرار. لا يعقلون أن تارة يجب الصراخ وتارة يجب السكوت، وتارة تجب الحرب وتارة يجب الصلح، وتارة يجب التضحية بالمهمّ في سبيل أمر أهمّ، وتارة لابدّ من ترك واجب كالحج في سبيل أمر أوجب كالجهاد، وتارة تقتضي ظروف الزمان والمكان أن يُصبح استعمال التنباك بأي نحو كان بمثابة محاربة الإمام الحجة(عج)، ثمّ يُباح بعد فترة قليلة بانتفاء تلك الظروف. فما أبعد هذه النفسيّة الجافّة الجامدة عن روح الإسلام الذي يريد أن يكون المسلم متأهبّا لاستلام الأوامر الجديدة والمستحدثة؛ هذا الإسلام الذي نشأ في مكّة، ولكن بعد ثلاثة عشر عاما وبعد الهجرة إلى المدينة، حرّم الإقامة في مكّة إلى حين فتحها؛ الإسلام الذي أراد أن يكون أتباعه منعطفين إلى درجة قبول تغيير القبلة، والذي لم يغيّر قبلة المسلمين إلا ليميز بين المطيع وغيره (وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي‏ كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْه‏)[البقرة/143]. وسيكون لهؤلاء المتخشّبين السفهاء والمقدّسين الحمقى موقف سوء من الإمام المهدي(عج) الذي سيصدر بمقتضى ظروفه الاستثنائية أعجب الأحكام ويتخذ أغرب القرارات حتى كأنه يأتي بدين جديد.