رشحات فكري وقلمي

۹ مطلب با موضوع «صفات أهل الحق» ثبت شده است

60ـ إنه آية عظمى

 إن لله آياتٍ بينات في أحداث العالم وتطوّرات الزمان والمكان كما له آياتٌ في القرءان. إنه تعالى يهدي الناس ويدلهم على الطريق ويرشدهم إلى الهدى، لا بقرءانه فحسب، بل بأحداث الزمان أيضا. 
"وفي كل شيء له آية" والشهيد سليماني آية عظمى! كيف لا وقد أحاطت به خصائص لم تجتمع لأحد سواه؟! سيروا في الأرض فانظروا أي شهيد خطف قلوب جماهير مليونية من شتى البلدان والقارّات مثله؟ ومن مثله في فوران دمه وتحمّس ثائريه؟ وهل يشهد العالم تشييعا باهرا ومحيرا كتشييعه؟ وهل نعرف شهيدا غيره تتجدد ذكراه أسبوعيا في ساعة استشهاده؟ وهل يُعرف شهيدٌ غيره تحمل مسؤولية اغتياله إمامُ الكفرة والفجرة، الرئيس الأمريكي بنفسه؟ فهو لا محالة آية من آيات الله العظمى وحجة أراد الله أن يظهرها للناس. وإلا فما معنى كل هذه الخصائص الباهرة التي لم تتوفر ولا واحدة منها لأحد سواه؟! 
تعال الآن إلى وصية هذا الشهيد العظيم الذي حمل روحه على كفه طوال أربعين سنة، متنقلا بين السواتر والخنادق وساحات القتال. لنقف قليلا عند وصية هذا القائد المخضرم الخبير الذي نصره الله عشرات المرات في شتى الساحات؛ هذا الشهيدِ الحكيم العظيم الذي ظهرت على يديه المعاجز والكرامات.
لقد ترك هذا الشهيد في وصيّته جميع الفضائل والمحاسن من صنوف البر والخير والآداب الحسنة والأخلاق الحميدة، بل وحتى الثقافة والصناعة والعلم والفن، ولم يوصِّ إلا بأمر واحد؛ دعم الثورة الإسلامية ونصرة قائدها الخامنئي. بذلك وصّى مجاهدي العالم الإسلامي شيعةً وسنة، والشعب الإيراني، وأبناء مدينته كرمان، والمسؤولين ورجال الدولة، والقوات العسكرية والعلماء والمراجع. (إِنَّ فِي ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ).

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

51- هذه معاناة خدام الحسين عليه السلام

من الساعات المؤلمة على خادم الحسين(ع) من أصحاب المواكب هي ساعة نفاد ما يستضيف به زوّار الحسين(ع). تراه نشطا مغتبطا مستبشرا ما دام قادرا على تقديم شيء للزوّار السائرين على أقدامهم إلى أبي الأحرار(ع)، ولكن ما إن ينتهي زاده وتصفرّ يدُه، يخامره شعور هو أشبه شيء بالخجل والانكسار! إن هذا الشعور نفسَه، ولكن بشكل أشدّ، يعتري الشابّ المجاهد في سبيل الله أيضا إن أصيب بجرح في جسمه ووجد نفسه عاجزا عن القتال بعد اليوم، فإنها ساعة قاتلة عليه. والله يعلم كم يؤجر المجاهد الجريح على معاناته من هذا الشعور المؤلم والخفيّ! وكذلك ما أصعبه من شعور على من اعتاد أن يقيم مجلسا حسينيّا في بيته كلّ عام، ثم يأتيه عام لا يجد لذلك حولا ولا قوّة! ويعزّ على الخطيب أو الناعي أيضا إن أصيب في حنجرته وصوته فأصبح عاجزا عن ارتقاء المنبر. طوبى لخدّام الحسين(ع) المخلصين الذين اتخذوا هذه الخدمة هويّةً لهم، ولم يجدوا لأنفسهم رأسمالٍ سوى ما يخدمون به سيّد الشهداء(ع). وما أحلاها من حياة يتخذها المرء فرصة لخدمة الحسين(ع) وحسب. فيرى الحسين(ع) حاضرا في حياته معيناً على توفير أسباب خدمته. وساعد الله قلوب هؤلاء الخدام في ساعة انتهاء شوطهم ونفاد رأسمالهم! إن الشهداء وخدّام الحسين(ع) جميعا سيغبطون العباس(ع) على ما سيناله من مقام عظيم! كيف لا، ولا أحد منهم قد ذاق ما ذاقه العباس(ع) من مرارة الخيبة واليأس، يومَ سلبه الله كلّ أسباب الخدمة والنصرة لأخيه الحسين(ع) حتى وقف العبّاس متحيّرا...

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

45ـ قدرة أولي الأبصار على كشف الأحداث والأشخاص

يومَ بُعث النبي ص في مكة ولم يؤمن به إلا عليّ وخديجة عليهما السلام،  وحينَ كانوا يصلون معا في أوج الغربة والقِلّة، أي عربي أو قرشيّ قد استطاع أن يدرك حجم هذا الحدث وعِظَم هذا النبأ المتمثل بمبعث النبي صلى الله عليه وآله؟ ومن كان يُصَدِّق بأن هذا الحدث سيشكل أعظم منعطف في التاريخ؟ 

لقد جرت سنة حياة البشر على أن لا تُدرَك عظمة الأحداث إلا بعد مضي أحقاب من الدهر، ولا يُعرف قدر الأشخاص ألا بعد سنين طوال. 

أما أولو الأبصار وألو الألباب فهم يرون في الأحداث والأشخاص ما لا يراه سائر الناس.

كان الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي مرت علينا ذكرى استشهاده، نموذجا رائعا من أولي الأبصار،  فإنه ـ على ما ذكر السيد محمود الهاشمي أحدُ أبرز تلاميذه - بعد ما اطلع على تقرير الدرسين الأوّلين لسلسلة دروس الإمام الخميني قدس سره في ولاية الفقيه،  قال لتلاميذه: فليحضر من استطاع في هذا الدرس فإنه سيُحدث نقطة عطف في تاريخ الإسلام.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

36ـ قصص الشهداء من أهم ما یحتاجه المجاهد

إذا أراد شاب عراقی أن یطوّر نفسه فی کرة القدم، لا یتفرج إلى أفلام أبطال العراق وحسب، بل یتابع أبطال العالم أیضا ویتعلم منهم مهما کانت جنسیّتهم. فهو یأخذ أسالیب المراوغة وفنون اللعب وأسالیب التهدیف من مارادونا الأرجنتینی وبیلیة البرازیلی ومسی الأرجنتینی وزین الدین زیدان الفرنسی وأمثالهم من نجوم کرة القدم، بغض النظر عن جنسیتهم وقومیتهم ولون بشرتهم.

وکذلک المجاهد الذی دخل فی معرکة بین الحق والباطل، فهو بحاجة إلى التعرّف على أبطال هذا المیدان والمجاهدین وشهداء الإسلام، مهما کانت جنسیتهم لیقتدی بهم ویقفو أثرهم. لابدّ أن تتعرف أخی المجاهد على قصص الشهداء وروحیّات المجاهدین وأسلوب حیاتهم فی الجبهة. فاستفسر عن أخلاقهم واقرأ عن شجاعتهم واسأل عن بکائهم فی جوف اللیل ومدى أنسهم بالقرآن ومدى علاقتهم بأهل البیت علیهم السلام. فقد جاهد قبلک شباب مؤمنون فی جبهات الحق ضد الباطل فی مختلف بقاع العالم، وقد انتصروا فی حربهم رغما على قلّة عتادهم. فتعرّف أخی المجاهد العزیز على منهجهم وسلوکهم وأخلاقهم وکلماتهم کما تتدرّب على السلاح. أسأل الله تعالى أن یجعلک قدوة لباقی شباب الإسلام وإماما للمتّقین وأن تکون من خیرة أنصار الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشریف.
۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

11ـ سعر الفتوة مقطوع بلا تخفیض

لقد انطوت قصص القرآن أو تاریخ الأنبیاء والأولیاء على قاسم مشترک وهو انقسام الأمم والناس إلى أهل الحق وأهل الباطل، وعادة ما یکون أهل الباطل هم الأکثریة الساحقة وأهل الحق ثلة قلیلة مضطهدة… ألیس کذلک؟

عندما نستذکر هذه القصص والمقاطع التاریخیة قد نحاول أحیانا أن نتصور أنفسنا فی ذلک الموقف لنرى إلى أیّ الفریقین کنا نمیل لو عشنا تلک الظروف وتلک الواقعة. فقد نسأل أنفسنا وهو نعم السؤال أن ما کنا نفعل لو کنا فی زمن أصحاب الکهف وتعرفنا علیهم قبل اعتزالهم وهجرتهم، وما کنا نعمل لو کنا فی زمن نوح (ع) ودعانا إلى رکوب السفینة. وما کان موقفنا لو عشنا فی زمن أحد الأنبیاء من عاد وثمود ولوط وشعیب وغیرهم إذ یدعون أقوامهم ولا یؤمن بهم إلا الأندر من الناس. وما کنا نفعل لو کنا حاضرین فی جلسة إنذار الأقربین ونرى أن رجلا یدّعی النبوة وأقبل یوصی بولایة ابن عمه ولم یؤمن به أحد من کبار القوم ووجهاء العشیرة بعد؟ وما لو کنا فی الکوفة إذ تخلى الناس عن مسلم وتفرّق الجمع من حوله وأصبح وحیدا غریبا بلا معین ونصیر والوالی قد استعمل أنواع القمع والتهدید لإرعاب الناس من نصرة الإمام الحسین؟…

والأهم من السؤال أسلوب الإجابة عنه. إذ تجد بعض الناس یواجه نفسه بهذه الأسئلة ولکنه بمجرد أن یرجع إلى نفسه ویجد حبّ الأنبیاء والأولیاء وأصحاب الحق فی قلبه، یأخذ راحته ویطمئن قلبه ویعتبر نفسه فی عداد سلمان وأبی ذر…! قد یکون منهم ولکن لیس هذا بالأسلوب الصحیح فی الإجابة.

یجب أن ندرس خصائص أهل الحق وصفاتهم لنکتشف السبب فی فلاحهم ودخولهم فی زمرة أهل الحق. یجب أن ندرس صفات أصحاب الکهف وأتباع الأنبیاء وأصحاب النبی وأمیر المؤمنین والإمام الحسین (علیهم السلام) وجمیع أصحاب الحق فی التاریخ لنرى ما هی الصفات والخصائص التی امتازوا بها عن باقی الناس ورفعتهم إلى هذا المقام، وهل نملک هذه الصفات والخصائص؟

یجب أن نرى لماذا رغب أکثر الناس عن الحق وما هی الصعاب والشدائد التی تواجه أهل الحقّ فی هذا الدرب.

فهل یستطیع من جعل همّه إرضاء الناس واتباع ما یسلکه الناس أن یصاحب فتیة أهل الکهف؟ وهل یمکن مصاحبتهم من دون التحرر عن التعلق بالأهل والأولاد؟ وهل یقدر من یخشى استهزاء الآخرین ویحسب لکلام الناس ألف حساب أن یرکب سفینة نوح مع أن القرآن یقول (وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّما مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْه‏) [هود: 38] وهل یطیق اتباع حرکة الأنبیاء وقد استُهزئ بجمیعهم (یا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما یَأْتیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُن‏) [یس: 30] وهل یمکن لمن لم یقلع جذور العصبیة القبلیة والعشائریة من قلبه أن یعشق أمیر المؤمنین ویتّبع نهجه وقد قتل أقربائه وإخوانه فی الحروب؟ وهل یستطیع من تعوّد التکبر على الشباب والصغار أن یخضع لولایة الأنبیاء والأوصیاء إن کانوا أصغر منه سنا؟ وکیف یتبع حجج الله ویخضع لولایتهم من ابتلى بحسد الأخیار وأصحاب الفضل والعلم؟…

فإن کان اتباع الأنبیاء وسلوک درب الحق بحاجة إلى التضحیات والمغامرات ولم یعتنق الحق إلا من تحلّى بصفات عالیة ونادرة، فلا یمکن اتباع هذا النهج فی هذا الیوم بالولائم والعزائم وحیاة الراحة والدعة. وإن کانت التضحیة بالمال والنفس والسمعة ثمن اتباع الحق فی زمن الأنبیاء، فلا یمکن أن یتغیر هذا السعر وینزل إلى مستوى الحضور بالمجالس والفواتح دون أی شیء آخر. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَریب‏) [البقرة: 214]

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

10ـ فلتمسوا نورا

لا شک فی أن سلوک درب الحق بحاجة إلى نور ولولاه لما أمکن للإنسان أن یخطو إلى الکمال. والنور الذی یحتاجه الإنسان هنا لیس نور المصباح أو الفانوس، بل هو نور الإیمان ونور البصیرة ونور الهدایة… وسوف تتجلى هذه الحاجة یوم القیامة إذ یشعر الإنسان یومئذ بالحاجة الماسّة إلى النور، ولکن غیر المؤمن محروم، باعتباره لم یشعل هذا النور فی حیاته الدنیویة، فیصبح مظلما هناک لا یهتدی إلى سبیل. ثم یضطر إلى أن یسأل المؤمنین شیئا من النور، ولکن لا یجد أحدا یعطف علیه بقبس؛ (یَوْمَ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذینَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قیلَ ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحدید: 13] 
الإیمان الضعیف یحکی عن وجود نور ضعیف، والإیمان القویّ یدلّ على النور القویّ. وکلما ازداد نور الإنسان تزداد بصیرته فی کشف الحقائق، کشأن النور المادی والطبیعی الذی کلما یزداد قوة، یمکّن الإنسان من مشاهدة الأشیاء الأصغر والأبعد.
قد لا یمکن تشخیص مقدار نور الأشخاص فی الظروف العادیّة، ولکن عندما تأتی الفتن ویشتدّ الامتحان یتّضح صاحب النور عن غیره. فکل هذه المصائب من زلّة القدم والشکّ فی الحقّ والجهل بالتکلیف وعدم التمییز بین الحقّ والباطل وبین العدو والصدیق وغیرها من الزلات نتیجة عدم وجود النور الکافی فی قلب الإنسان. إذ هناک بعض الحقائق لا یمکن إدراکها إلا بهذا النور، فهی خفیّة عن الإنسان المظلم حتى ولو قرأ الصحف کلها واستمع إلى الفضائیات بأجمعها وختم کتب العالم من أولها إلى آخرها وحصّل على ستین شهادة علیا. لا یفید مولانا
وأما السبیل إلى ازدیاد النور فمفتوح، وهو أن تؤمن بالحق کلما واجهت أحد مصادیقه فی حیاتک. فحاول أن لا تنکر کلمة الحق أینما وجدت وکیفما کانت، یشتدّ نور قلبک لا محالة. وهذه حقیقة تقدمها لنا قصة فتیة أهل الکهف، إذ هکذا عرفهم الله فی بدایة القصة قائلا: (إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً) [الکهف: 13] فطوبى لمن جعل هدفه الرئیس توفیر النور بدلا عن تجمیع المال وتکویم المعلومات.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

9ـ تحمل ضریبة القلة

إن درب الحق والصواب طریق قد استصعبه أکثر الناس فلا یعرف قدره إلا القلیل منهم، ولهذا عندما تدخل فی هذا الطریق قد تجد نفسک وحیدا فریدا بلا صدیق.

وقد أکد القرآن على هذه الحقیقة فی آیات کثیرة. فعندما یأتی موضوع الشکر الذی له دور رئیس فی تاریخ الأمم ومصیر الإنسان، یقول القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُون‏) [البقرة: 243] وإن ذکر موضوع العلم بالحقائق الضروریة یخبرک بأن أکثر الناس لا یعلمون؛ (وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُون‏) [یوسف: 21] (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُون) [یوسف: 40] وأما بالنسبة إلى الإیمان فیقول سبحانه: (وَ ما أَکْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنین‏) [یوسف: 103] ویقول: (وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فی‏ هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبى‏ أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُورا) [الإسراء: 89] إلى غیرها من عشرات الآیات التی تحکی عن هذه الحقیقة وهی أن أکثر الناس للحق کارهون.

فلا یکن دأبک اتباع الناس فی کل صغیرة وکبیرة وتقلیدهم فی کل شیء، ففی ذلک الخروج عن درب الحق (وَ إِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِی الْأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَنْ سَبیلِ اللَّه‏) [الأنعام: 116]

ولابد من توطین النفس على تحمّل ضریبة القلّة وتعویدها على الوحدة من أجل أن لا تزلّ أقدامنا فی سبیل الله کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: "لا تستوحشوا فی طریق الهدى لقلة أهله" [نهج البلاغة: خ201]

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

8ـ کن أهل المغامرات أکن أهل المفاجآت

قد نشخص أحیانا أن مجتمعنا بات ینحرف عن القیم الإلهیة، أو أن هذا العرف السائد فی البلد من إنتاجات الشیطان وهذا السلوک المتفشی بین إخواننا وأقراننا مما لا یرضی الله… ولکن لا نجرأ على مخالفة العرف ولا نستطیع الانحیاز عن ما یهواه المجتمع إلى ما یرضاه الله وبالتالی نعجز عن اختیار الصواب وإن کنا قد عرفناه.

والسبب واضح، إذ یعتقد أکثر الناس بأنهم لو خالفوا العرف فی بعض المسائل، سوف یتهمون ویطردون ویستهزأ بهم وبالتالی سوف یفقدون کل اعتبارهم ومکانتهم فی المجتمع ویبقون وحیدین غریبین یعیشون حیاة الذل والشقاء… هذه رؤیة أکثر الناس.

أما إذا راجعنا القرآن، نجد أن الله قد وعد المؤمنین المتقین بالیسر وضمن لهم السعادة فی هذه الدنیا فضلا عن الآخرة حیث قال تعالى: (ِوَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا) [الطلاق:2] و (وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ یُسْراً) [الطلاق:4] فإذا کان مقتضى التقوى مخالفة العرف وعدم اتباع سلوک الناس، فقد تکفل الله بعدم شقائک وتعاستک. ولکن المشکلة هی أن الله یعد الناس ولکن لا یشرح خطته فی التنفیذ، إذ أعدّ لکل إنسان ولکل قضیة خطة معینة، فیبقى الإنسان جاهلا بما سیفعله الله لحل الأزمة والمشکلة.

وهنا یتضح الفارق الرئیس بین المؤمن الحقیقی وغیره. حیث یحظى المؤمن بروح الاعتماد والثقة بالله، فیغامر ویؤدی تکلیفه حتى وإن استصعب نتائجه وفق المحاسبات المادیة، ثم یقف محتسبا لیشاهد الدور الإلهی فی إنهاء القصة لصالح عبده المؤمن رغما لکل الحسابات المادیة والدنیویة.

وقد تجلت هذه الحقیقة بکل وضوح فی قصة أصحاب الکهف، إذ کل الحسابات المادّیة تحکم على المتمرد الفارّ من المجتمع بالهلاک والنسیان، بید أن کاتب القصة ومخرج الفیلم قد شاء غیر ذلک وأراد أن یخرجهم من الأزمة. طبعا کان من الممکن له أن ینجی أصحاب الکهف بطریقة طبیعیة، فلماذا أنهى القصة من حیث لا یحتسب القارئ ولا الممثل؟! فلعله أراد أن یخاطب کل فرد منا ویقول لو کنت أهل المغامرات لتجدنی أهل المفاجآت.      
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

7ـ الناس أتباع الناس

من المواصفات التی جعلت فتیة أهل الکهف فتیة ومیزتهم عن غیرهم هی أنهم استطاعوا أن یستقلوا عن المجتمع على مستوى أفکارهم وسلوکهم. وهذه الصفة تحتاج إلى شجاعة وإرادة لم یحصل علیها إلا الأندر من الناس. إذ تجد أکثر الناس وکأنهم مسلوبی الإرادة والاختیار أمام أهواء مجتمعهم وأفکاره ونزعاته.

نادرا ما تجد إنسانا یستطیع أن یجرد نفسه عن أبناء قومه ویفکر و یقرر من دون أن تفرض بیئته علیه قراراتها وأحکامها، فإن أکثر الناس هم أتباع الناس.

ولکن استطاع أصحاب الکهف أن یفکروا فی موضوع الإله والتوحید والمعبود بغض النظر عن أهواء الناس وعقائدهم سالکین منهج الاستقلال فی التفکیر والسلوک، وبالتالی خرجوا بنتیجة مخالفة للتیار العام فی مدینتهم. وهی عقیدة التوحید التی کانت غریبة ومرفوضة هناک والناس کلهم وثنیون وقد ألفوا عبادة آلهتم المختلقة.

العرف العام والرأی العام والإعلام کله کان یحترم الأصنام ولکنهم استطاع أصحاب الکهف أن یجردوا کل هذه الحبال والأغلال عن ذهنهم وینظروا إلى الأصنام بإمعان، فوجدوها لا تستحق العبادة والاحترام.

فأتحفهم الله بهدیة من عنده وأنار قلوبهم وبصیرتهم فأصبحوا یعیشون حیاة طیبة سریة معطرة بالإیمان بالله وعبادته وهم یشعرون أکبر لذة واغتباط بهذه التجربة الجدیدة.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري