رشحات فكري وقلمي

30ـ خلاصة حیاة أولی الألباب

لقد نسب إلى الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله أنه قال: "اللهم أرنا الأشیاء کما هی" وقد انطلق الحکماء والعرفاء من هذا الدعاء إلى مختلف الأبحاث الفلسفیة والعرفانیة التی تهدف إلى معرفة الوجود ومعرفة الله سبحانه ومعرفة النفس والإنسان الکامل والعوالم المختلفة وغیرها من الحقائق.

ولعله یمکن القول بأن جمیع الانحرافات والضلالات العقدیة والعملیة والأخلاقیة ناجمة عن الخلل الحادث فی معرفة حقائق الأمور. ومن أهمّ الحقائق التی لابدّ أن تعرفها، هی حقیقة هذه الدنیا. ولهذا تجد عقلاء العالم قد أطالوا التفکیر فی حقیقة الدنیا (إِنَّ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْباب‏ * الَّذینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیاماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ وَ یَتَفَکَّرُونَ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَکَ فَقِنا عَذابَ النَّار) آل عمران/190ـ 191

لقد عرف أولو الألباب أن هذه الدنیا وما شملته من السموات والأرض لم تخلق باطلا. ولو کانت هی الهدف والغایة وکانت هی آخر المطاف لکان خلقها باطلا، وسبحان الله عن خلق شیء باطلا، فانتقلوا بتفکّرهم هذا من هذه الدنیا إلى ذکر ما بعد الدنیا؛ (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَکَ فَقِنا عَذابَ النَّار).

إن هذا الجهد الفکری والعملی هو خلاصة حیاة أولی الألباب فی هذه الدنیا. حیث إنهم أیقنوا أنها محل عبور وسوق تجارة وقاعة امتحان وساحة سباق وأرض زراعة وساحة تمرین وبجملة واحدة لیست بدار قرار، بل هی مقدمة وطریق إلى دار القرار.

ولا شکّ فی أن الإنسان بطبیعته لا یصبّ کل اهتمامه بالمراحل الانتقالیة العابرة، بل ینتقل منها بفکره وقلبه إلى ما هو ثابت ودائم.
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

29ـ إنها عملیات مدبرة

إنها عملیّة مدبّرة

إن کثیرا من برامج الکامرة الخفیة تنطوی على خطة إزعاج الناس عبر مشهد مختلق مدبّر. فقد یعتدی ممثل البرنامج على من یعثر علیه، أو یستفزّه بإساءة أو یزعجه بسلوکه… ثم یقف المخرج والجمهور متفرجین لیختبروا ردّ فعل الناس تجاه عمل هذا الإنسان الغثیث. وکثیرا ما نجد من تقوم قیامته ویمتلئ غیضا وغضبا على هذا الممثل المسکین وتکاد القضیة أن تصل إلى عراک ونزاع شدید… ولکن بمجرد أن یشیر الممثل إلى الکامرة الخفیة ویقول له مبتسما: "أنت أمام الکامرة الخفیة" ینتهی النزاع تماما وتظهر البسمة على شفاه هذا الإنسان وتعبر القضیة بسلامات.

یبدو من خلال هذه الظاهرة أن الإنسان یغضب من خلال الإزعاج غیر المدروس والمدبّر، لکن إن جاء أحد وهیأ ودبّر موقفا مزعجا وغیر مریح لیمتحن ویدرس ردود أفعال الناس تجاه هذا الأمر، فهذا عمل لا بأس به ویمکن التغاضی عنه بکل سهولة.

الواقع هو أننا أمام کامرة خفیة ثابتة، وکل ما یحدث فی العالم إنما یتمّ ضمن خطة وبرنامج، وهو غیر خارج عن الإخراج الإلهی. نحن نؤمن بالاختیار ولکن لا نؤمن بالتفویض التام، فلا یتمّ شیء ولا یتحقق أمر ولا یسیء أحد إلى أحد إلا بإمضاء الله وإذنه، أو قل بإخراجه. فالله سبحانه هو الذی قد سمح لبعض الناس أن یسیئوا إلینا ویزعجونا لیختبر أخلاقنا وأعصابنا فی أمثال هذه المواقف. وبالتأکید سوف یعاقب ذاک المسیء أیضا.

شاء الله سبحانه وتعالى أن لا یجعل الناس فی درجة واحدة من العلم والقدرة والقابلیة والذوق والصحة والکمال والجمال وباقی المواهب، بل فضل بعضا على بعض. فوفّر من خلال هذه الخطّة، أرضیة الصراع والنزاع والاختلاف والاصطدام، کما أنه قد هیّأ فی نفس الوقت فرصة الإیثار والمواساة والرحمة والسلوک إلى الکمال.

فالحقیقة أن هذه المواقف إنما هی عملیّات مدبرة من قبل الله سبحانه وتعالى بغرض اختبار مدى التزامنا بالقیم الإلهیة. (وَ هُوَ الَّذی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فی‏ ما آتاکُم‏) [الأنعام: 165]
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

28ـ نظرة مجهریة إلى إلکترونات الدین

لم یندبنا الله سبحانه فی القرآن للتدبّر فی آیات الکتاب وحسب، بل دعانا إلى التدبّر وإمعان النظر فی عالم الطبیعة أیضا. فکما قال سبحانه: (کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْباب‏)[ص/29]، قال تعالى: (إِنَّ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْباب‏)[آل عمران/190].

ونحن نعلم أن القرآن کتاب هدى لا کتاب فیزیاء وکیمیاء أو أحیاء. فعندما یتطرق إلى مراحل خلق الجنین فی رحم أمّه لا ینبغی أن نفترض أن قد خرج عن موضوعه إلى موضوع الطّب. وکذلک عندما دعانا القرآن للتأمل فی کیفیّة خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وتسطیح الأرض فإنه لم ینحرف عن صلب موضوعه إلى علم الحیوان والفیزیاء وعلم الأرض، بل طرح هذه الحقائق وغیرها من المسائل الطبیعیة تعزیزا لهدفه الرئیس بل الوحید وهو هدایة الناس.

فإذا وجدنا القرآن یتحدّث فی بعض آیاته عن بعض الأبعاد الفیزیائیة والکیمیائیة والفسلجیة فی العالم، لابدّ أن تکون هناک علاقة بین عالم الطبیعة بمختلف أبعاده، وبین هذا البرنامج الإلهی الذی جاء به الرسول الأعظم(ص). وهذا هو المتوقّع جدا، إذ إن الله الذی فرض العبادات ونسق أرکانها وأجزاءها وأنزل دینه بما یشتمل علیه من رخص وعزائم، هو نفسه الذی خلق السماء بنجومها وکواکبها والأرض ببحارها وأنهارها ومعادنها وجبالها والأشجارَ بثمارها وأوراقها والحیوانات بمختلف أعضائها وشرائحها والإنسانَ بطاقاته ونزعاته ومواهبه. فهناک قواسم مشترکة کثیرة بین هذین الصعیدین؛ أی بین الدین والطبیعة. فإن الأسالیب التی استخدمها الله سبحانه وتعالى فی تکوین عالم الطبیعة، قد استخدمها نفسها فی تدوین شریعته الإسلامیّة، غیر أن هناک فوارق لا مناص منها بین عالم التکوین أی عالم الطبیعة، وبین التشریع أی هذا الدین الإسلامیّ الحنیف. فلنذهب قلیلا إلى هذا العالم لمشاهدة بعض الحقائق والقواعد السائدة فیه، ثم نلتفت عنه إلى الدین لنرى أن قد نسّقت أجزاؤه وأقیمت دعائمه وشیّدت أرکانه بنفس تلک الأسالیب والقواعد المستخدمة فی صنع هذا العالم الطبیعی. 

لقد اکتشف العلماء، أنّ مختلف أجسام هذا العالم إنما رکّبت من جزیئات صغیرة جدّا لا ترى بالعین المجرّدة وکذا الجزیئات قد رکّبت من ذرّات، ثم لیست الذرات هی الجزء الأصغر فی الأجسام، بل هی أجسام مرکّبة من جسیمات دون ذریّة کالبروتونات والإلکترونات والنیوترونات. وتدلّ هذه النظریّة العلمیّة التی أظنها أصبحت من المسلّمات، على أن الله سبحانه قد بذل منتهى الدّقة فی صنع العالم. وهو ـ سبحانه أن یکون له مِثْل ـ کالرسّام الذی یرسم لوحات کبیرة جدّا بشعرة واحدة لا بالفرشاة! وکالمعمار الذی یبنی عمارة فخمة جدا بلَبِنات صغیرة لا تتجاوز عن حجم حبّات السکّر! حیث إنه رکّب الجبال وأنشأ البحار وأبدع السماوات والأرضین بترکیب البروتونات والإلکترونات ولم یرض بلَبِنات أکبر!  

ولهذا تجد علماء الفیزیاء والکیمیاء وکذا الأطبّاء فی مختبراتهم یحاولون أن یستخدموا أدقّ الأجهزة والأدوات، إیمانا منهم بمدى دقّة هذا العالم وأهمیة النِّسب والمقادیر فیه. کما أنهم عندما یجرون اختبارا أو عملیّة ما، یأخذون بعین الاعتبار متغیرات کثیرة کالوزن والحجم والمسافة والسرعة والنّسبة والنور والحرارة والضغط وغیرها، إذ کلّ هذه المتغیّرات وإن لم یبال بها الإنسان العامّی، لها تأثیر کبیر فی الظواهر الطبیعیة وأحداثها. هذا هو أسلوب الله سبحانه فی صنع العالم حیث قد بذل منتهى الدّقة فی تصمیمه وإبداعه، فهل یعقل لهذا المصمّم الدقیق جدّا أن لا یبذل دقّته البالغة فی تنسیق شریعته وترکیب أجزاء عباداته وفرض أحکامه ونواهیه؟! ما هکذا الظن به ولا المعروف من عنده.

بهذه الرؤیة قد نستطیع أن نتفاعل مع شریعتنا الإسلامیة وما اشتملت علیه من أرقام ومقادیر وجزئیات دقیقة، ونحملها على محمل الجدّ إیمانا منّا بدقة صنع الله فی تکوینه وتشریعه. فقد یخامرنا أحیانا تساؤل واستغراب عن سبب بعض التعاقید فی أحکام الصلاة وغیرها من العبادات، أن لماذا أمر الله بالجهر فی صلوات الصبح والمغرب والعشاء، ونهى عنه فی الظهر والعصر، وما السبب من هذا التشدّد فی عدد رکعات الصلاة حیث تبطل الصلاة بازدیاد عدد الرکعات ونقصانها سهوا کان أو عمدا! وما الداعی للتشدد فی تلفظ کلمات الصلاة وأداء حروفها بشکل صحیح، وما الفرق بین أول الوقت وآخر الوقت، إلى غیرها من أمثال هذه الأسئلة.

والحقیقة هی أن کثیرا من هذه الأسئلة إنما نجمت من کوننا لم ننظر إلى الصلاة ککائن مرکب من عناصر وجزیئات وذرات وجسیمات دون ذریة. فلو نظرنا إلیها بهذه النظرة لرحبت صدورنا لهذه الدقائق والجزئیات والتفاصیل، ولما قلّ انتباهنا وتوجهنا حین قیامنا للصلاة فی المسجد، عن نباهة الطبیب الجرّاح أثناء مباشرته العملیة فی أحشاء مریضه، أو دقة عالِم الکیمیاء فی عملیة ترکیب العناصر أو تجزئتها فی مختبره، أو حرص عالِم الفیزیاء على حفظ المسافات والزوایا أثناء صنع ظاهرة فیزیائیة. فلابدّ أن نعرف أن هذا الدین عالَم أو کائنٌ هندسه الله الذی هندس هذا العالم الطبیعی بهذه الدّقة العالیة جدّا، ثمّ أمرنا أن نبنیه ونشیّده على أرض الواقع على أساس هذه الخریطة الإلهیة الرائعة والدقیقة جدا، وهی دین الإسلام.

إن هذه الرؤیة إلى الدین قادرة على إزالة بعض الغموض والتساؤلات عن بعض جزئیات الأحکام کحدود الحجاب المیلیمتریة، ومقادیر الخمس المحدّدة، ودقائق شعیرة الحج ومدّة الإمساک فی الصوم، ووقت الأذان وزمن البلوغ وغیرها من الأحکام. کما إذا عرف الإنسان هذه الحقیقة جیّدا سیتواضع لله ولدینه الذی ارتضاه، ولا یتمرّد على ربّه بمجرّد جهله بعلة أحد أحکام الإسلام وحکمته.
۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

27ـ قانون ثبات المشاکل

من خلال مجمل الروایات یبدو أن هناک قانون رائع یتحکم فی حیاة الإنسان وهو أنّه لابدّ لکلّ إنسان أن یتحمّل بعض المشاکل ویعانی من بعض المعاناة فلا مناص ولا مفرّ من المشاکل والمتاعب والآلام المقدّرة له مهما حاول أن یفلت منها. فکأن هناک رصید من المتاعب والمصاعب والمحن قد قدّر لکلّ إنسان بقدر محدّد ولن یغادر الدنیا إلا بعد أن یصرف هذا الرصید کلّه ویتجرّع نصیبه من المشاکل بتمامه وکماله. فإنه منذ نشوئه وترعرعه غرض الأسقام ورهینة الأیام وحلیف الهموم وقرین الأحزان ونصب الآفات کما جاء فی وصیة أمیر المؤمنین لولده الحسن علیهما السلام.

ثم إنّ قسما من هذه المصاعب والمتاعب التی لا مهرب منها ولا مناص، هی ما یواجهه الإنسان فی درب العبادة والجهاد ولزوم الحقّ، فإنه إن أراد التملّص ممّا یفرض علیه هذا الطریق من سَهَر وتعب وجوع وعطش وإنفاق وتضحیات وفرّ منها حرصا على دنیاه وخشیة على راحته، سوف یُبتلى ویتورّط بکلّ ما أراد الفرار منه فی غیر طریق الهدى والحقّ فیتجرع کل هذه المشاکل دون أی أجر ومثوبة، بل قد تصحبها آثام وذنوب تخرّب آخرته وعقباه.

لقد روی عن الإمام موسى الکاظم علیه السلام: «إِیَّاکَ أَنْ تَمْنَعَ فِی طَاعَةِ اللَّهِ فَتُنْفِقَ مِثْلَیْهِ فِی مَعْصِیَةِ اللَّه‏» [تحف العقول، ص408] وکذلک روی عن الإمام الصادق(ع): «أَنْفِقْ وَ أَیْقِنْ بِالْخَلَفِ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ یُنْفِقْ فِی طَاعَةِ اللَّهِ ابْتُلِیَ بِأَنْ یُنْفِقَ فِی مَعْصِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ لَمْ یَمْشِ فِی حَاجَةِ وَلِیِّ اللَّهِ ابْتُلِیَ بِأَنْ یَمْشِیَ فِی حَاجَةِ عَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل‏»[من لا یحضره الفقیه، ج4، ص412].

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

25ـ انظر إلى معانات المنافقین ثم فسر مواقفهم

لیس من الهین على المنافق أن یقطع کل الأواصر التی تربطه بالمجتمع الإسلامی. فهو یرى فی هذا المجتمع کلّ کیانه ووجوده ومستقبله، حتى وإن کان أکثر انسجاما مع أفکار أعداء الإسلام، ولکنه عادة ما لا یرى هناک أرضا خصبة لنشاطه الفکری والسیاسی بخلاف أرض الإسلام.

ومن جانب آخر إن أجواء المجتمع الإسلامی والتیار العام السائد فیه بعید کل البعد عن ما یصبو إلیه المنافق ویرمی إلیه، ولهذا فأکثر أحداث المجتمع الإسلامی تکدر صفو عیشه وتسلب منه اطمئنان قلبه وتربک فکره وتدعه فی حیرة من أمره. فیبقى حائرا لا یدری أیستمر فی مواقفه أم لعلّه ینفضح أمام المسلمین ولا یبقى له بعد اعتبار بینهم. فیستمر فی حیاته وحرکته الاجتماعیة والسیاسیة فی متاهات وظلامات. فتارة تجری ریاح الأحداث بما تشتهیه سفینته، ولکن ما هی إلا أیام قلائل وإذا بالریاح تأتی معاکسة لما یهواه فیشعر أن ضاقت علیه الأرض بما رحبت وقد اقترب من أیام فضیحته وموته السیاسی والاجتماعی.

کان یخاف المنافقون من نزول سورة تفضحهم (یحسبون کُلَّ صیحة علیهم)،[1] کما کانوا یخشون أن یشیر إلیهم النبی بأسمائهم، وبعد ذلک کانوا یخشون من ردّ فعل الإمام تجاههم وبعدها کانوا یخشون من اتخاذ موقف شدید من قبل زعیم الطائفة وأعلمها تجاههم وکذا الحال فی الجمهوریة الإسلامیة، فهم فی قلق من کل خطاب یلقیه السید القائد مخافة أن یستنکر علیهم بطریقة تنهی حیاتهم وتقضی على حرکتهم.   

إن المنافق یعیش خوفا دائما وحیرة لا انقطاع لها فی حیاته کالتائه الحیران المتورط فی مطر غزیر شدید فی لیلة ظلماء، فلا سبیل له للرجوع ولا حول له على مواصلة طریقه ولا ینیر دربه فی هذا الخضمّ إلا تلک الصاعقة المهولة التی وإن کانت تریه الطریق للحظة واحدة بید أنها تسلب منه ما تبقّى فی قلبه من رباطة وثبات؛ (أَوْ کَصَیِّبٍ مِنَ السَّماءِ فیهِ ظُلُماتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ یَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فی‏ آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللَّهُ مُحیطٌ بِالْکافِرین‏)[2]

فتراه فی ظاهر أمره حریصا على مصیر الأمة، یرسل انتقاداته لهذا وذاک ویصرّح فی مختلف المجالات ویتخذ مواقفه المختلفة ویدّعی أنه لا یفکّر إلا فی صلاح الإسلام والمسلمین ولم یتخذ موقفا إلا وقد أحرز رضا الله فیه؛ (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُون‏)[3]، (لَیَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى).[4] ولکن کما قال الله سبحانه وتعالى فی القرآن کل هذا کذب وخداع. فهدف المنافق الأول والرئیس هو الخلاص والنجاة من خطر هذا المطر الغزیر ووحشة لیلته الظلماء. إن مواقف المنافقین برمّتها هی فی سبیل تعبید طریقهم وتوسیع نطاق مجالهم وإزالة الموانع أمام حرکتهم لیس إلا.  

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] . المنافقون: 4.

[2] . البقرة: 19

[3] . البقرة:

[4]. التوبة: 107  

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

24ـ فرصة للتحلیق

نحن محدودون فی مقام العمل ولسنا قادرین على القیام بکل ما نشاء ونهوى. فقد نود أن نستیقض قبل الفجر ونصلی صلاة اللیل ولکن لا نحظى بالتوفیق دائما. ولعلنا نرغب بأداء کثیر من المستحبات، بید أنه منعنا سوء التوفیق الحاصل من الذنوب.

وفی کثیر من الأحیان نعجز عن إتیان بعض الأفعال لا لضعف الإرادة وسوء التوفیق، بل بسبب عدم توفر الظروف والأسباب. فعلى سبیل المثال إن قوانین هذه الحیاة وقیودها لا تسمح لنا بحج بیت الله الحرام فی کل عام، ولا تسمح لنا بزیارة الإمام الحسین ـ علیه السلام ـ فی جمیع لیالی الجمع. کما أن ظروفنا الاقتصادیة لا تسمح لنا بقضاء حاجة کل فقیر وتسهیل زواج کل شاب. وهکذا...

إذن نحن محدودون فی مقام العمل بمختلف أنواع الحدود والقیود.

ولکن الله سبحانه قد فتح علینا نافذة إلى عالم غیر محدود وأطلق سراح مشیئتنا وإرادتنا فیه لنفعل ونعمل فی ذلک العالم حیث نشاء وکیف نرید. وهو عالم الدعاء والطلب من الله عز وجل.

الدعاء فرصة تمکن الإنسان من التحلیق فی سماء الکمالات والمقامات العلیا حسب فهمه ومعرفته.

عندما فتح الله للإنسان باب الدعاء کأنما أوحى له قائلا: إن أعمالک وإیمانک ومعرفتک الیوم تحکی عن شیء من قیمتک ومستواک، ولکن بغض النظر عما علیه أنت الآن والظروف التی تحکمک وتقیدک، قل لی ماذا ترید أن تکون، وکیف تبرمج للمستقبل لو خلیت أنت ومشیئتک بغض النظر عن الظروف والأسباب.

بهذا الشرح المتواضع یتضح أن الدعاء عمل مهم ومصیری بحذ ذاته، وبغض النظر عن تحقق الأمر المطلوب فی الخارج أو عدم تحققه. فهناک بون شاسع بین قیمة الإنسان المحروم من توفیق صلاة اللیل ولکنه متأسف على سوء توفیقه ویدعو الله لهذا التوفیق، وبین الإنسان التارک لها عن لا مبالاة وعدم اکتراث. کما هناک فرق کبیر بین الإنسان العاجز عن مساعدة أغلب الناس ولکنه یأمل ویدعو الله دائما لقضاء حوائج الناس والتوفیق لخدمتهم، وبین من أهمل هذه المسائل وعاش بمعزل عن قضایا الناس ومشاکلهم. ولا قیاس بین من لم تتوفر له الفرصة للجهاد ولم تسمح له الأسباب باجتثاث أصول الظالمین ومات فی آخر عمره على الفراش غیر محضوض بشضایا ساحات الجهاد والقتال، ولکنه قد طوى رداء عمره بتمنی الجهاد والشهادة والدعاء لذلک، وبین من قضى عمره لاهیا عن أجواء الجهاد والشهادة ولم تتعد آماله وأمانیه حدود مسکنه ومأکله ومشربه. لقد روی عن النبی ـ صلى الله علیه وآله ـ أنه قال: "من سأل الشهادة بصدق، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". بحار الأنوار67/ 201

هذا نموذج من کرم الله ولطفه على المؤمنین، والمؤمن کیس فطن ینتهز الفرصة ویستغل الطرق السهلة القصیرة فی مسیره إلى الله. لقد نقلت لکم هذه الروایة سابقا وأعیدها علیکم مرة أخرى:

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله علیه وآله: "یَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلَانِ کَانَا یَعْمَلَانِ عَمَلًا وَاحِداً فَیَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوْقَهُ فَیَقُولُ یَا رَبِّ بِمَا أَعْطَیْتَهُ وَ کَانَ عَمَلُنَا وَاحِداً فَیَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلَنِی وَ لَمْ تَسْأَلْنِی ثُمَّ قَالَ سَلُوا اللَّهَ وَ أَجْزِلُوا فَإِنَّهُ لَا یَتَعَاظَمُهُ شَیْ‏ءٌ".وسائل الشیعة7/ 24

إلهی إن سمحت لنا بالدعاء کیف نشاء ودعوتنا أن نجزل فی الطلب فأسألک أن تغفر لی کل صلواتی التی ادیتها بقلب لاه وساه، وتکتب لی بدلا عنها صلوات راقیات مع حضور القلب وجماعة خلف سیدی ومولای صاحب الزمان فی مسجد الحرام. 

الهی أسألک أن تجعل آخر لحظات حیاتی تشبه آخر لحظات أصحاب الحسین ـ علیه السلام ـ حیث کان أحدهم إذا سقط على الأرض ینادی سیده ومولاه ویقول یا أبا عبد الله علیک منی السلام، فیأتی الإمام مسرعا کالبرق الخاطف یضع رأسه فی حجره ویمسح بیده على رأسه مبتسما بوجهه ومطمئنا قلبه بما سیلقاه من المقام والنعیم فی الجنان، ثم یفارق هذا الشهید الحیاة ورأسه بید إمام زمانه… إللهم ارزقنی الاستشهاد بین یدی الإمام المنتظر علیه السلام، حتى أعیش أحلى وأجمل لحظات عمری فی ساعة الاحتضار عندما أنزف دما وقد أمسک إمامی بیدی واضعا رأسی فی حجره وهو یطمئننی برضاه عنی. 

إلهی أعلم أن امنیاتی هذه أکبر من حجمی وقدری وشأنی ولکن "عفوک عن ذنبی و تجاوزک عن خطیئتی و صفحک عن ظلمی و سترک عن قبیح عملی و حلمک عن کثیر جرمی عند ما کان من خطایای و عمدی أطمعنی فی أن أسألک ما لا أستوجبه منک". ‏[مقطع من دعاء الاقتتاح]
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

23ـ قناعة فی غیر محلها

عندما یدخل المؤمنون الجنة ویرحب بهم الملائکة قائلین لهم (سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدین) الزمر/73، لن یحددوا بموقع خاص دون آخر، ولن یقودهم الملائکة إلى قصورهم وبساتینهم لیحصروهم بالقصور والبساتین والجنان التی أزلفت لهم دون باقی نعم الجنان ومقاماتها، بل سیعطون منذ دخولهم إلى الجنان وإلى الأبد حریة مطلقة ومشیئة بلا حدود؛ (لَهُمْ ما یَشاؤُنَ فیها وَ لَدَیْنا مَزید)ق/35، (لَهُمْ فیها فاکِهَةٌ وَ لَهُمْ ما یَدَّعُون) یس/57. 

فالمؤمن حر فی الجنة وبإمکانه أن یذهب أینما یرید وحیث یشاء. ولعل هذه من أولى الکرامات العظیمة التی تعطى لأهل الجنة. کما سیشعرون أهل الجنة منذ دخولهم فی الجنان بهذه النعمة والکرامة فیحمدون الله علیها؛ (وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلین)الزمر/74.

ولکن تعلم أیها القارئ الکریم أنه لیس کل أهل الجنة سوف یطلبون المقامات العالیة فی الجنان ومجاورة الأنبیاء والحضور فی جلسات الأنس مع محمد وأهل بیته علیهم السلام، بل سیکتفون بالحور والقصور وباقی النعم المتوفرة فی الدرجات النازلة من الجنة دون أن یشتهوا الأجواء التی یعیشها الأولیاء والشهداء والمقربون. 

وهذه من الحقائق العجیبة التی قد لا نقدر على إدراکها جیدا. ویا ترى کیف یمکن للإنسان المختار المرید أن یدع المقامات العلیا التی نالها الأولیاء والأنبیاء والشهداء ویکتفی بالمراتب المتوسطة أو النازلة من الجنان؟ ثم عندما یشرب الأبرار الرحیق المختوم بالمسک مع نکهة ومزاج من تسنیم، کیف لا یطمعون بالشراب الخالص من تسنیم وعینه الصافیة التی یشرب بها المقربون؟! (راجع سورة المطففین من الآیة 22 إلى 28)

قد لا نجد مثالا لهذه الظاهرة فی عالم الدنیا، إذ أننا نطمع بالشیء الفاخر والثمین ولا نختار الردیء إن أمکن الحصول على الأجود منه. ولکن یوجد مثال واحد على الأقل، ولعله من أهم أسباب بروز هذه الظاهرة فی الجنان، وهو أننا قنوعون فی مقام الدعاء والطلب مع عدم وجود أیّ حدّ یقیّدنا فی نطاق محدود من الطلبات. 

لقد فتح الله علینا باب الدعاء وضمن لنا الإجابة، ولکن أغلب المؤمنین قد اکتفوا فی أدعیتهم بطلب الجنة ونعمها النازلة، دون أن یشتهوا ویطلبوا مقام الأولیاء والمقربین ویدعوا لنیل ذاک المقام. وعلیه فسوف تتجسد هذه القناعة التی فی غیر محلها عند دخولنا فی الجنة وتجعلنا نقتنع بالقلیل الأدنى من نعیم الجنة غافلین عما یعیشه المقربون.

إن السبب فی هذه القناعة السلبیة هو طول الأمل فی الدنیا، إذ بقدر ما تطول آمالنا فی الجانب المادی والمسائل الدنیویة تقصر هذه الآمال فی المسائل المعنویة. إذ نحن لدینا رصید ثابت فی الآمال والأمنیات، فعندما نصرفه فی المسائل المادیة الحقیرة ینقص هذا الرصید فی تمنی المقامات العلیا والدرجات الرفیعة فی الجنان. لابد من ادخار الأمانی والاقتصاد فی الآمال شأنها کشأن الأموال لکی نستطیع أن نصرفها فی مجالها، وأی مجال أفضل وأولى من تمنی التقرب إلى الله ومجاورة الأولیاء والاستشهاد فی سبیل الله و… 
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

22ـ لولا ولایة الفقیه لما أمکن الاعتبار بقصص القرآن

إن رسالة أکثر قصص القرآن شیء واحد، وهی تقوى الله وإطاعة القائد المبعوث من قبل الله، (فاتقوا الله وأطیعون). فإذا أردنا أن نعتبر بهذه القصص نحتاج إلى العناصر الرئیسة فی القصة. إذن لابد من وجود برنامج إلهی حتى نطبقه ونتقی الله وبالإضافة إلى ذلک لابد من وجود قائد إلهی مفروض الطاعة، حتى نستطیع أن نعتبر بالقسم الآخر من رسالة هذه القصص. فلو لم یکن لنا قائد فی هذا الزمان لما تمکن الاعتبار بهذه القصص، مع أننا أمرنا بأخذ الدروس والعبر منها (لَقَدْ کاَنَ فىِ قَصَصِهِمْ عِبرْةٌ لّأِوْلىِ الْأَلْبَاب) یوسف: 111

وعندما نشاهد أن الله سبحانه وتعالى قد کلف الناس على مرّ التاریخ بإطاعتین، وهما إطاعة الله وإطاعة الرسول، عند ذلک لا یمکن أن یغیر الله سنّته فی زمن من الأزمان ویحذف نصف دینه ویسقط تکلیف إطاعة الرسول أو الإمام أو القائد عن الناس. 

لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بإطاعتین حیث قال: (یا أَیُّهَا الَّذینَ آمَنُوا أَطیعُوا اللَّهَ وَ أَطیعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَکُم) محمد: 33وقد یفهم من هذه الآیة أنّ التمرّد على الرسول یبطل أعمال الإنسان فی إطاعة الله کالصلاة والصیام وباقی العبادات. 

هنا یستطیع المؤمن بولایة الفقیه أن یعمل بهذه الآیة ویعتبر بکل قصص القرآن بدون مشکلة، إذ هو یعتقد أن ولایة الفقیه هی امتداد لولایة الرسول کما قال الإمام الخمینی (قدس سره). أما الذی لم یؤمن بولایة الفقیه أو لم یؤمن بالولی الفقیه الحق، فلا سبیل له للعمل بهذه الآیة، إذ تصبّ کل عباداته وأعماله فی إطاعة الله لا إطاعة الرسول وهذا لیس کافیا.
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

21ـ لا یتأسى بالرسول إلا من...

إن حیاة العلماء مملوءة بالدروس والخبرات القیّمة، لکن لا یستفید منها إلا من سلک منهج طلب العلم والتعلّم وأراد أن یعیش حیاة العلماء وطلاب العلم، وأما الإنسان الذی لم یهتم بالعلم ولم یهدف إلى طلبه، فلم یستطع أن یتأسى بحیاة العلماء مهما قرأ حیاتهم واطلع على سلوکهم ومنهجهم فی طلب العلم.
وکذلک الأمر بالنسبة إلى أبطال العالم فی عالم الریاضة، حیث لا یقتدی بهم إلا الریاضیّ الذی یأمل أن یصبح بطلا فی المستقبل.
إن الله سبحانه وتعالى قد عرّف النبیّ (صلى الله علیه وآله) قدوة وأسوة للناس وقال "لَقَدْ کانَ لَکُمْ فی‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة" لکن هل الجمیع مؤهلون للتأسی برسول الله (صلى الله علیه وآله) أم لا یهتدی لهذا الطریق إلا فئة من الناس؟ فمن الذی یستطیع أن یستفید من سیرة النبی (صلى الله علیه وآله) ویتقدی به؟ هذا ما أجابت علیه تکملة الآیة نفسها حیث تقول: "لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَکَرَ اللَّهَ کَثیرا" [الأحزاب: 21]
الإنسان الذی جعل الدنیا غایة اهتمامه ومرامه ونسی الله والیوم الآخر لن یتمکن من الاقتداء بالرسول حتى ولو عاش معه عشرات السنین، وکلما ازداد الإنسان ذکرا لله والیوم الآخر ورجا رضوان ربه فی جنة النعیم، یسهل علیه التأسی بالرسول الکریم (صلى الله علیه وآله).
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

20ـ الأفلام التربویة الإسلامیة مضرة فما بالک بغیرها

العوامل التی تغیّر الإنسان اثنان، أولها هی العوامل التی تغزو الإنسان من الخارج وتحاول أن تغیره. والثانیة هی التی تفور من قلب الإنسان وفؤاده وتنعکس على جوارحه وأعضائه. لا شک أن کلا العوامل مؤثرة ولابد للإنسان أن یحمل کلیهما على محمل الجدّ. ولکن العوامل الداخلیة أکثر وأعمق وأدوم تأثیرا من العوامل الخارجیة. بل لا یمکن أن تؤثر العوامل الخارجیة إلا وأن یکون لها مساعد من الداخل. 

أضرب مثالا: إن الموعظة المفیدة مؤثرة فی قلب الإنسان خاصة بعد ما قبلها واعتنقها، ولکن نفس هذه الموعظة بنفس المضمون لو کانت نابعة من قلب الإنسان وداخله، لکان تأثیرها أعمق وألصق بالفؤاد. ولهذا عندما نراجع الآیات والروایات نجد أن الإسلام لم یهتمّ بالعوامل الواردة من الخارج بقدر اهتمامه بالعوامل النابعة من الذات. حتى حدیث النبی وصوت النبی ـ صلى الله علیه وآله ـ وکلام الله فی القرآن غیر منتج إن لم یفعّل الإنسان حیاة قلبه.

الإیمان أساس الدین وهو عبارة عن حقیقة فی القلب. إن شدة الإیمان وضعفه مرتبط بمدى معرفة قلب الإنسان. إنه أمر باطنی ذاتی وهو الحاسم فی مدى استیعاب الإنسان للعوامل الإیجابیة الخارجیة ومدى مقاومته ومناعته تجاه العوامل السلبیة الخارجیة. ولهذا قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): من عدم الفهم عن الله سبحانه لم ینتفع بموعظة واعظ. [غرر الحکم، ص82] وقال علیه السلام: من لم یعنه الله على نفسه لم ینتفع بموعظة واعظ. [غرر الحکم، ص 240] 

إن الصلاة تمرین وتدریب قلبی وبهذا التمرین تصبح معراج المؤمن، والمهم فیها هو التفاعل القلبی مع أذکار الصلاة وأعمالها ولولا هذا التفاعل تکاد أن لا تقبل من العبد. فروی عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال: إِنَّ الْعَبْدَ یُرْفَعُ لَهُ ثُلُثُ صَلَاتِهِ وَ نِصْفُهَا وَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَ أَقَلُّ وَ أَکْثَرُ عَلَى قَدْرِ سَهْوِهِ فِیهَا. [الکافی3، ص363] 

کذلک حب أهل البیت وارتقاء الإنسان فی حبّهم والبکاء على الإمام الحسین علیه السلام، کلها عبارة عن حرکة ذاتیة ونشاط قلبی. 

یبدو أن الله سبحانه وتعالى أراد للإنسان حیاة هادئة تفسح له مجال التفکیر وتوفر له أجواء النشاط القلبی. أما الحیاة الحدیثة التی جاء بها الغرب تمشی تماما عکس هذا الاتجاه. فأین ما نولی فی هذه الحیاة الحدیثة تغزونا عشرات ومئات العوامل المغریة من الخارج وتسعى للفت أنظارنا. فإذا انساب الإنسان مع هذا التیار الجارف وتعوّد على الملهیات والمغریات والملفتات التی لا تنفک عنه أینما ذهب، یفقد شیئا فشیئا طاقته الذاتیة ویعجز عن الترکیز والتفکیر وحده بلا عامل خارجی. وبالتالی یعجز عن التفکیر فی الغیب، إذ أن طبیعة الغیب والمفاهیم التی لابد للإنسان أن یفکر فیها طیل حیاته، لا تصور بالفیلم والبوستر وأفلام الکارتون والموسیقى، وحتى إن أمکن الإشارة إلى بعض هذه المفاهیم بهذه الأدوات فإنها معدومة أثناء صلاة العبد بین یدی خالقه. إذ یجب على الإنسان المصلی أن یرکز على مفاهیم غیبیة بلا موسیقى ودراما وکارتون... وهذا أصعب شیء على من أدمن على هذه العوامل. إن الإدمان على مشاهدة المسلسلات والأفلام الهادفة والتربویة والإسلامیة یضر بنشاط وحیویة قلب الإنسان فما بالک بالأفلام التافهة والسخیفة.
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري