رشحات فكري وقلمي

60ـ إنه آية عظمى

 إن لله آياتٍ بينات في أحداث العالم وتطوّرات الزمان والمكان كما له آياتٌ في القرءان. إنه تعالى يهدي الناس ويدلهم على الطريق ويرشدهم إلى الهدى، لا بقرءانه فحسب، بل بأحداث الزمان أيضا. 
"وفي كل شيء له آية" والشهيد سليماني آية عظمى! كيف لا وقد أحاطت به خصائص لم تجتمع لأحد سواه؟! سيروا في الأرض فانظروا أي شهيد خطف قلوب جماهير مليونية من شتى البلدان والقارّات مثله؟ ومن مثله في فوران دمه وتحمّس ثائريه؟ وهل يشهد العالم تشييعا باهرا ومحيرا كتشييعه؟ وهل نعرف شهيدا غيره تتجدد ذكراه أسبوعيا في ساعة استشهاده؟ وهل يُعرف شهيدٌ غيره تحمل مسؤولية اغتياله إمامُ الكفرة والفجرة، الرئيس الأمريكي بنفسه؟ فهو لا محالة آية من آيات الله العظمى وحجة أراد الله أن يظهرها للناس. وإلا فما معنى كل هذه الخصائص الباهرة التي لم تتوفر ولا واحدة منها لأحد سواه؟! 
تعال الآن إلى وصية هذا الشهيد العظيم الذي حمل روحه على كفه طوال أربعين سنة، متنقلا بين السواتر والخنادق وساحات القتال. لنقف قليلا عند وصية هذا القائد المخضرم الخبير الذي نصره الله عشرات المرات في شتى الساحات؛ هذا الشهيدِ الحكيم العظيم الذي ظهرت على يديه المعاجز والكرامات.
لقد ترك هذا الشهيد في وصيّته جميع الفضائل والمحاسن من صنوف البر والخير والآداب الحسنة والأخلاق الحميدة، بل وحتى الثقافة والصناعة والعلم والفن، ولم يوصِّ إلا بأمر واحد؛ دعم الثورة الإسلامية ونصرة قائدها الخامنئي. بذلك وصّى مجاهدي العالم الإسلامي شيعةً وسنة، والشعب الإيراني، وأبناء مدينته كرمان، والمسؤولين ورجال الدولة، والقوات العسكرية والعلماء والمراجع. (إِنَّ فِي ذَ ٰ⁠لِكَ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ).

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

59ـ إنها نتاج مصائب العباس

إن ما سجّله أبناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام على مرّ التاريخ ولا سيما في عصرنا الحاضر من صور المقاومة والشجاعة والغيرة ورفض الذّل أكثر وأروع بكثير من باقي الأمم على الرغم من شدّة العداء على الشيعة وكثرة التطاول عليهم. ما أكثرَ الشعوبَ المظلومة والمضطهدة التي استُعبدت وهتكت أعراضُها بل نُهبت نساؤها إماءً، أما الشيعة فتاريخهم لا يحكي عن مثل هذه المآسي إلا ما ندر. فلم تُستَبَح مدينةٌ شيعيّة كما استبيحت المدينةُ في واقعة الحرّة ولم يظفر الأعداء باستعباد رجال ونساء من الشيعة كما فعلوا ببعض الشعوب الأفريقيّة أو ما فعلت داعش بغير الشيعة.
ما الذي يملكه الشيعة ويفقده الآخرون؟! ولمن الفضل يا ترى؟! 
الفضل كله لأبي الفضل العباس عليه السلام! لقد بكينا نحن الشيعة جيلا بعد جيل على العباس لا حزنًا على مصابه فحسب، بل إعجابًا بحميّته وفخرًا بغيرته واعتزازًا بشجاعته وابتهاجًا بقامته واغتباطًا بهيبته أيضًا. بكينا على خيبة أمله في الدفاع عن بنات رسول الله أكثر من بكائنا على جراحه ومصرعه. لقد تجرّع العبّاس يوم عاشوراء لوعة خيبة الأمل في الذبّ عن حرم رسول الله، واللهُ وحده يعلم كيف تقطع قلبه حزنًا على سبيهم. إن بلاءً كهذا قدره الله لعبده الصالح يوم عاشوراء، فقد حال بينه وبين كلّ طموحه وأمانيه من المبارزة في الميدان بين يدي أخيه الحسين وسقي حرم رسول الله والحفاظ عليهن من السبي. إنها لصفقة مربحة بين المولى والعبد؛ سلبه كلّ شيء ليعطيه كلّ شيء. لقد أطلق الله يدي العباس ومكّنه من أن يدسّ في عروق كل من فُجِع بمصابه جُرَعًا من الغيرة والحمية والشجاعة ما حفظت بها أعراضنا على مرّ العصور وفي خضم عداء ألد أعداء الحق. نعم لم يعد العباس خائبًا في الحفاظ على أعراض شيعة أمير المؤمنين عليه السلام. 
ها قد تركت مصائب العباس أثرها في نفوسنا ولم يتجسد كل أثرها فينا بعد. المستقبل إن شاء الله زاهر ومشرق وسيخرج جيل من الشباب لهم هيبة في قلوب الأعداء وبهم سينصر الله مهدي هذه الأمة. إنهم نتاج مصائب العباس بل هديةٌ إلى المهديّ(عج) من عَمِّه.

 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

58ـ شكرا للقرايات

إن قسمًا من قوّات الحشد الشعبيّ المبارك قد انطلقوا إلى ساحات القتال بشحنة حبّ الحسين عليه السلام ولم يخرّجهم إلّا مواكب المآتم والعزاء. ولذلك فإن لهذه المجالس فضلًا على حياتنا ووجودنا وأمننا وأعراضنا، لما ربّت من مجاهدين أبطال وشجعان جاهدوا دفاعا عن الدين والعزّ والكرامة. لا يشارك الشهيدَ في أجره والداه فحسب، بل كلّ من ساهم في تكوين بيئته التي نشأ وتربّى فيها شجاعًا وعزيزًا وثائرًا، شريك وله حصّته من أجره. فطوبى للشاعر الحسينيّ الذي كانت لأبياته دور في تربية جيل يأبى الظلم ولا قِبَل له بالذّل. وهنيئًا لكلّ صاحب موكبٍ جاهد بماله في سبيل سيّد الشهداء، فنشأ بعده شباب هان عليهم الجهاد بأنفسهم ورَخُصَت دون الحسين أرواحهم. وهنيئًا لكلّ أمّ غذّت طفلها بحبّ الحسين عليه السلام ليكون مستعدًّا لتقبّل كلّ معاني الخير ورافضًا بفطرته وروحه الحسينيّة كلّ أشكال الشرّ. وبارك الله في الخطيب الحسينيّ الذي قرأ على الناس كلمات أبي الأحرار عليه السلام، فترك بصمة أثره في نفوسٍ أبيّة لا تبايع الظالم وتجتنب الطاغوت.
 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

57ـ علامة السفهاء

إن علامة السفهاء السطحيّين على مرّ التاريخ، هو الجمود وعدم قابليّتهم في تشخيص الأهم عن المهم وعصيانهم على تغيير التكليف. فإنهم يحترمون ظاهر القرآن مطلقا، ولو دعا إلى الحكمية في صفّين. ويحترمون دم المسلم مطلقا، ولو خرج على أمير المؤمنين(ع). ومناسك الحج عندهم خط أحمر مطلقا، ولو كان الحسين(ع) مغادرا مكّة. والصلح مع العدوّ عندهم ذنب لا يُغفَر مطلقا، ولو كان الإمام الحسن(ع) قد اتخذ هذا القرار. لا يعقلون أن تارة يجب الصراخ وتارة يجب السكوت، وتارة تجب الحرب وتارة يجب الصلح، وتارة يجب التضحية بالمهمّ في سبيل أمر أهمّ، وتارة لابدّ من ترك واجب كالحج في سبيل أمر أوجب كالجهاد، وتارة تقتضي ظروف الزمان والمكان أن يُصبح استعمال التنباك بأي نحو كان بمثابة محاربة الإمام الحجة(عج)، ثمّ يُباح بعد فترة قليلة بانتفاء تلك الظروف. فما أبعد هذه النفسيّة الجافّة الجامدة عن روح الإسلام الذي يريد أن يكون المسلم متأهبّا لاستلام الأوامر الجديدة والمستحدثة؛ هذا الإسلام الذي نشأ في مكّة، ولكن بعد ثلاثة عشر عاما وبعد الهجرة إلى المدينة، حرّم الإقامة في مكّة إلى حين فتحها؛ الإسلام الذي أراد أن يكون أتباعه منعطفين إلى درجة قبول تغيير القبلة، والذي لم يغيّر قبلة المسلمين إلا ليميز بين المطيع وغيره (وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي‏ كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْه‏)[البقرة/143]. وسيكون لهؤلاء المتخشّبين السفهاء والمقدّسين الحمقى موقف سوء من الإمام المهدي(عج) الذي سيصدر بمقتضى ظروفه الاستثنائية أعجب الأحكام ويتخذ أغرب القرارات حتى كأنه يأتي بدين جديد.     

۰ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

56ـ الحسين(ع) يقود الحياة!

إذا استطاع الشيطان أن يخدعنا ويجعل قضيّة الحسين(ع) مجرّد طقوس وفلكلور وحسب، بعيدة عن معادلات الحياة وفي معزل عن حضارتنا وأخلاقنا وسياستنا واجتماعنا، فعند ذلك لعلّ أحدنا يستقبل الزائر بكل رحابة ويقدّم له كلّ خدمة، ولكن ما إن ينتهي هذا الموسم قد يأتينا نفس هذا الزائر ويراجعنا في دائرة لاستيفاء حق من حقوقه، وإذا بنا لم نعد نهوى الضيافة ولا نتنافس على الخدمة، ولا كأن هذا المُراجِع محبّ من محبيّ  الحسين(ع)!
ولعلّ هذا الزائر نفسَه يصطدم بسيّارتنا باصطدام خفيف يترك عليها خدشاً بسيطا، وإذا بنا نقيم الدنيا عليه ولا نقعدها، ثمّ نخاطبه بلغة التهديد كما يخاطب العدوُّ عدوَّه، ونطالبه بأضعاف ما ترك هذا الخدش البسيط من ضرر.
ولعلّنا نستقبل الزائر الإيراني في موسم الأربعين بكلّ رحابة، ونقيم الشعائر الحسينيّة رغما على آل سعود وبقايا حزب البعث. ولكن ما إن ينتهي موسم الأربعين، نرفع لافتات ونهتف بهتافات لا تخدم الأربعين وقضيّة الحسين(ع) قطعا، بل ويطرب لها آل سعود وتصفّق لها إسرائيل. 

هذا حال من لم يتخذ الحسين(ع) منهجا للحياة، وضيّق مداه في طقوس وشعائر لا تتعدّى نفسَها. إن ما شاهدناه من قلّة قليلة من بعض الشيعة ومحبّي الحسين(ع) من تصرّفات مقزّزة وهتافات باطلة، هي ناجمة عن الفصل بين قضية الحسين(ع) وبين الحياة.

۱ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

55ـ ما أبعدهم عن قيم الحسين(ع)!

الشيعي الذي يزور الحسين عليه السلام ويقيم المجالس عليه أو ينصب موكبا باسمه ويقرأ الزيارات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام، ثمّ لا يسعى لتنظيم ولاءاته وعداواته على أساس قيم الحسين(ع) وأصول ملحمة عاشوراء، فكبّر عليه خمساً!
لم تدعنا ثورةُ الحسين(ع) أن نُطلِق سراح ولاءنا وعداءنا ينسابان حيث نشاء، فنوالي ونعادي من شئنا دون منهج أو معيار.
المعيار الأول والأخير هو خط الحسين(ع) ومدرسته. هذا هو المعيار الذي يجب أن يكون نصب أعين محبّ الحسين(ع) وخادمه، فيحبّ من أحب الحسين(ع)، ويبغض من أبغض الحسين(ع)، ويوالي من والاه، ويعادي من عاداه وأن يكون سلما لمن هو سلم له، وحرباً لمن هو حربٌ له.
لقد أراد أهل البيت(ع) من شيعتهم أن يشدّوا الرحال إلى كربلاء ثم يقفوا عند قبر الحسين(ع) ويعاهدوه على الالتزام بهذه المواقف دون غيرها.
فيا حسرةً على بعض الشيعة الذين زعموا أنّهم خدّام الحسين(ع) وأنصارُه، ولكنّهم تركوا أعداء الحسين(ع) وأعداءهم الذين تقطر دماء أبناء العراق من أنيابهم ومخالبهم من أمريكا وإسرائيل وآل سعود وأيتام صدّام وداعش، ثمّ خرجوا يهتفون ضدّ إيران! فما أبعدهم عن قيم الحسين عليه السلام.

۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

54- لولا اتباع القائد

إن الفتن والأحداث التي تجري على أمتنا الإسلامية تثبت أن كل حركة شعبية في أي مكان، إن كانت غير مرتبطة بالقيادة الشرعية المتمثلة بوليّ امر المسلمين الإمام الخامنئي دام ظله، فمصيرها الانحراف عن أهدافها. فلا سبيل أمامها إلا أن تُسرَق أو يندسّ بين جمهورها من يحرفها عن أهدافها وأغراضها الأصيلة الأولى، ومن ثَمّ لا يجني الشعب من ثورته ما كان يرجو. لم تكن سنن الله تسمح بنجاح شعب وغلبته على أعدائه من دون قائد. ومما لا شك فيه أنه إن اتُّبِع القائد الجاهل غير المطبوخ الذي لا يَهِدّي إلا أن يُهدى بدلا من القائد الشرعي الحقيقي، فلا يزيد الطينَ إلا بَلّةً ولا يُقيل لأتباعه زلّة.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

53ـ حضارة بلطت شوارع وهدمت جسورا!

إن مشاهد الرحمة والرأفة التي يعيشها الزائر خلال أسبوع في مسيرة الأربعين أكثر في كمّها وكيفها ممّا يشاهده الغربي في بلده خلال عام.
وأنّى للثقافة الرأسماليّة والفكر الأوماني القائم على الأنانيّة وأصالة اللّذة أن يبلور في الإنسان الخصال الإنسانية النبيلة كالرحمة والرأفة والإيثار والجود والسخاء؟!
مهما غُلّفت الأخلاقُ التجاريّة بغلاف مكارم الأخلاق فإنها لا تترك في النفوس أثرها، بل تدع أبناء بيئتها البائسة متعطشين إلى جرعة أخلاق حقيقية غير مزيّفة.
تعساً لحضارة بلّطت شوارع مدنها ولكنها هدمت جسور التواصل بين القلوب، وتبّاً لحضارة أغنت أبناءها - لو أغنتهم فعلاً - ولكنّها أفقرتهم عاطفيّا، فاستشرت بينهم شتّى الأمراض والعقد النفسيّة.
حسبنا من السعادة أن نعيش في مناخ حبّ أهل البيت والتحابب فيهم(ع) وإنه لمناخ لا تقدر على توفيره الحضارات الأخرى، مهما أنتجت من أفلام الحب والغرام، ومهما اصطنعوا نكات توحي بأن الغربي أعرف بالحب والمودة من ابن العراق!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

52- سؤال غیر وجيه!

ما أكثر ما يُواجَه الزائر بهذا السؤال غير الوجيه: "هل استلمت الضريح؟" فصار كثير من الزوّار يزعم أن الزيارة من دون استلام الضريح غير مضبوطة، فلا تهنأ له الزيارة إلا إذا استطاع أن يشقّ طريقا من بين الازدحام إلى الضريح. فإن قدر على ذلك رجع إلى أهله مسرورا مرفوع الرأس، وإلّا رجع خائباً! ليتنا كنّا ندع هذا السؤال جانبا، لكي لا يشتبه الأمر على بعض فيزعم أن قد أفلح اليوم من استقوى! إن استلام الضريح عمل جيّد وعظيم بلا ريب، ولا يحلو للضريح أن يُترك خالياً، ولعل الزائر إن استطاع أن يقبّل الضريح ولم يفعل فقد جفا، كما أن الاندحاس حول الضريح وسط تدافع الزائرين مفيد لأوجاع الجسم والروح معاً، ولا داعي للتثخين في مراعاة حال الزائر وعدم التزاحم على الضريح، فإن كلّ من خاض هذه الغمرات قد وطّن نفسه على الدفع والدحس وهنيئا له ذلك. كلّ الكلام هو أن لا نجعل قيمة الزيارة مرهونة بوصول يدنا إلى الضريح، ولا نجعل ذلك آخر همّنا في الزيارة، فإن قيمة الزيارة بمدى اتّصال قلب الزائر بالإمام(ع). أئمتنا كرام عظام، فلا يخيّبون الزائر مهما أمكن، ويستضيفونه كما يهوى ويأمل. فإن كان همّه الأخير أن يستلم الضريح، أخذوا بيده وجرّوه إليه لكي لا يرجع خائبا. ولكن إذا جاء الزائر آملا في أن يتّصل قلبُه بالإمام(ع) ويقضي ساعة خلوة معه، فيناجيه ويصبّ دموع البهجة والشوق عنده ويستمتع بلذّة القرب منه، فمثل هذا الزائر أيضا لا يُهمل في الحرم ليرجع خائبا، بل يعينه الإمام(ع) على ما يصبو إليه من زيارة روحانيّة. وإن ارتقى في درجته وسئم هذا القدر من الاتصال الروحي وتمنّى أن يسمع صوت الإمام أيضا، وإلّا رجع خائبا منكسرا، تكلّم معه الإمام(ع). وإن سما بنفسه أعلى واشتاق إلى رؤية وجه الإمام(ع)، أراه وجهه. وهكذا ترتقي جودة الزيارة إلى غير ذي مدى. كل ذلك كرامة من الإمام وحرصا منه على أن لا يرجع الزائر منكسرا خائبا من قبر ابن نبيّه(ص)، ولا يشعر بأن الإمام غير مكترث به. كلما استطاع الزائر أن يتصل قلبه بالإمام بشكل أعمق ويناجيه في حاجاته الأرقى وآماله الأسمى وقضاياه الأهم والأبقى، فزيارته أثمن وأجمل، سواءٌ أقَدِر على استلام الضريح أم لم يقدر. فلو كنّا نتساءل بعد الزيارة - ولو مزاحاً - "هل رأيت الإمام؟ هل سمعت صوته؟" لكنّا أحسن حالا.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

51- هذه معاناة خدام الحسين عليه السلام

من الساعات المؤلمة على خادم الحسين(ع) من أصحاب المواكب هي ساعة نفاد ما يستضيف به زوّار الحسين(ع). تراه نشطا مغتبطا مستبشرا ما دام قادرا على تقديم شيء للزوّار السائرين على أقدامهم إلى أبي الأحرار(ع)، ولكن ما إن ينتهي زاده وتصفرّ يدُه، يخامره شعور هو أشبه شيء بالخجل والانكسار! إن هذا الشعور نفسَه، ولكن بشكل أشدّ، يعتري الشابّ المجاهد في سبيل الله أيضا إن أصيب بجرح في جسمه ووجد نفسه عاجزا عن القتال بعد اليوم، فإنها ساعة قاتلة عليه. والله يعلم كم يؤجر المجاهد الجريح على معاناته من هذا الشعور المؤلم والخفيّ! وكذلك ما أصعبه من شعور على من اعتاد أن يقيم مجلسا حسينيّا في بيته كلّ عام، ثم يأتيه عام لا يجد لذلك حولا ولا قوّة! ويعزّ على الخطيب أو الناعي أيضا إن أصيب في حنجرته وصوته فأصبح عاجزا عن ارتقاء المنبر. طوبى لخدّام الحسين(ع) المخلصين الذين اتخذوا هذه الخدمة هويّةً لهم، ولم يجدوا لأنفسهم رأسمالٍ سوى ما يخدمون به سيّد الشهداء(ع). وما أحلاها من حياة يتخذها المرء فرصة لخدمة الحسين(ع) وحسب. فيرى الحسين(ع) حاضرا في حياته معيناً على توفير أسباب خدمته. وساعد الله قلوب هؤلاء الخدام في ساعة انتهاء شوطهم ونفاد رأسمالهم! إن الشهداء وخدّام الحسين(ع) جميعا سيغبطون العباس(ع) على ما سيناله من مقام عظيم! كيف لا، ولا أحد منهم قد ذاق ما ذاقه العباس(ع) من مرارة الخيبة واليأس، يومَ سلبه الله كلّ أسباب الخدمة والنصرة لأخيه الحسين(ع) حتى وقف العبّاس متحيّرا...

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري