من خلال ما ورد فی الآیات والروایات نستطیع أن نقطع بلا أیّ شک وریب أن الطریق الوحید لنیل الأهداف الدنیویة هو اتباع البرنامج الإلهی للحیاة المتمثل بأحکام الشریعة. فعلى سبیل المثال یقول الله سبحانه فی القرآن الکریم: (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُون)‏ [الأعراف: 96] وقال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُون‏) [النحل: 97]

وهناک الکثیر من الآیات والروایات التی تتحدث عن التبعات السلبیة المترتبة على الذنوب فی هذه الدنیا فضلا عن الآخرة فقد قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): "لَا یَتْرُکُ النَّاسُ شَیْئاً مِنْ أَمْرِ دِینِهِمْ لِاسْتِصْلَاحِ دُنْیَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْه‏" [نهج البلاغة، کلمات القصار 106]

إذن الناس أمام طریقین فی هذه الحیاة الدنیا؛ طریق یلبّی رغباتهم وطموحاتهم وأهدافهم وآمالهم فی الدنیا ثم یأخذ بیدهم إلى السعادة الأبدیة فی الآخرة، وطریق مملوء بالخیبة وعدم الاستقرار والشعور بالتعاسة والمشاکل والمتاعب وتلف الأعصاب فی الحیاة الدنیا، وبالتالی یؤدی إلى نار جهنم والتعاسة الأبدیة فی دار القرار. هذه هی الرؤیة الدقیقة عن الدنیا والآخرة ودور الدین فیهما.

هنا یأتی سؤال وهو إذا کان دور الدین فی الحیاة الدنیا هکذا دور، ولا یتعارض الدین مع ما یرغب ویطمح إلیه الإنسان فی هذه الدنیا، فما هو فنّ المؤمنین فی التزامهم وتمسّکهم بأحکام الله، وإذا لم یضحوا بسعادتهم فی الدنیا فلماذا استحقوا الأجر من الله عز وجل. ثم إذا کان الدین ملائما ومنسجما مع ما یطلبه الإنسان فی الحیاة الدنیا من أهداف وطموح، فما هو السرّ فی إعراض أکثر الناس عن الدین بغیة الحصول على شیء من لذة الدنیا وسعادتها؟

الجواب هو أن الله سبحانه وتعالى لم یجعل هذه الحقیقة الرائعة واضحة کل الوضوح فی الدنیا، إذ جعل الدنیا دار بلاء وامتحان ومقتضى هذا الأمر أن تکون بعض الحقائق غامضة لا تدرک إلا بنور الإیمان. السرّ فی عدم تمسک الناس بهذه القاعدة هو أن الله قد جعل ظاهر طریق الحق عکرا مریبا، وجعل ظاهر طریق الباطل حلوا جمیلا. ولکن هذا هو الظاهر فحسب. وإلا فالله سبحانه قد أکد فی القرآن أن لا ننخدع بظواهر الطریقین، فلا طریق الحق طریق تعیس کما یبدو من الخارج، إذ یقول سبحانه (الَّذینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ لا تَبْدیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظیم) [یونس: 63ـ 64] ولا طریق الباطل حلو جمیل کما یبدو من الخارج؛ (فَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا) [التوبة: 55]

من هنا یتضح أن فنّ المؤمنین لیس هو التضحیة بسعادة الدنیا فی سبیل الحصول على سعادة الآخرة، بل إنما هو الاعتماد على الله والثقة بالله فی سبیل الفوز بسعادة الدارین.