رشحات فكري وقلمي

۱۰ مطلب با موضوع «الدین والدنیا» ثبت شده است

59ـ إنها نتاج مصائب العباس

إن ما سجّله أبناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام على مرّ التاريخ ولا سيما في عصرنا الحاضر من صور المقاومة والشجاعة والغيرة ورفض الذّل أكثر وأروع بكثير من باقي الأمم على الرغم من شدّة العداء على الشيعة وكثرة التطاول عليهم. ما أكثرَ الشعوبَ المظلومة والمضطهدة التي استُعبدت وهتكت أعراضُها بل نُهبت نساؤها إماءً، أما الشيعة فتاريخهم لا يحكي عن مثل هذه المآسي إلا ما ندر. فلم تُستَبَح مدينةٌ شيعيّة كما استبيحت المدينةُ في واقعة الحرّة ولم يظفر الأعداء باستعباد رجال ونساء من الشيعة كما فعلوا ببعض الشعوب الأفريقيّة أو ما فعلت داعش بغير الشيعة.
ما الذي يملكه الشيعة ويفقده الآخرون؟! ولمن الفضل يا ترى؟! 
الفضل كله لأبي الفضل العباس عليه السلام! لقد بكينا نحن الشيعة جيلا بعد جيل على العباس لا حزنًا على مصابه فحسب، بل إعجابًا بحميّته وفخرًا بغيرته واعتزازًا بشجاعته وابتهاجًا بقامته واغتباطًا بهيبته أيضًا. بكينا على خيبة أمله في الدفاع عن بنات رسول الله أكثر من بكائنا على جراحه ومصرعه. لقد تجرّع العبّاس يوم عاشوراء لوعة خيبة الأمل في الذبّ عن حرم رسول الله، واللهُ وحده يعلم كيف تقطع قلبه حزنًا على سبيهم. إن بلاءً كهذا قدره الله لعبده الصالح يوم عاشوراء، فقد حال بينه وبين كلّ طموحه وأمانيه من المبارزة في الميدان بين يدي أخيه الحسين وسقي حرم رسول الله والحفاظ عليهن من السبي. إنها لصفقة مربحة بين المولى والعبد؛ سلبه كلّ شيء ليعطيه كلّ شيء. لقد أطلق الله يدي العباس ومكّنه من أن يدسّ في عروق كل من فُجِع بمصابه جُرَعًا من الغيرة والحمية والشجاعة ما حفظت بها أعراضنا على مرّ العصور وفي خضم عداء ألد أعداء الحق. نعم لم يعد العباس خائبًا في الحفاظ على أعراض شيعة أمير المؤمنين عليه السلام. 
ها قد تركت مصائب العباس أثرها في نفوسنا ولم يتجسد كل أثرها فينا بعد. المستقبل إن شاء الله زاهر ومشرق وسيخرج جيل من الشباب لهم هيبة في قلوب الأعداء وبهم سينصر الله مهدي هذه الأمة. إنهم نتاج مصائب العباس بل هديةٌ إلى المهديّ(عج) من عَمِّه.

 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

57ـ علامة السفهاء

إن علامة السفهاء السطحيّين على مرّ التاريخ، هو الجمود وعدم قابليّتهم في تشخيص الأهم عن المهم وعصيانهم على تغيير التكليف. فإنهم يحترمون ظاهر القرآن مطلقا، ولو دعا إلى الحكمية في صفّين. ويحترمون دم المسلم مطلقا، ولو خرج على أمير المؤمنين(ع). ومناسك الحج عندهم خط أحمر مطلقا، ولو كان الحسين(ع) مغادرا مكّة. والصلح مع العدوّ عندهم ذنب لا يُغفَر مطلقا، ولو كان الإمام الحسن(ع) قد اتخذ هذا القرار. لا يعقلون أن تارة يجب الصراخ وتارة يجب السكوت، وتارة تجب الحرب وتارة يجب الصلح، وتارة يجب التضحية بالمهمّ في سبيل أمر أهمّ، وتارة لابدّ من ترك واجب كالحج في سبيل أمر أوجب كالجهاد، وتارة تقتضي ظروف الزمان والمكان أن يُصبح استعمال التنباك بأي نحو كان بمثابة محاربة الإمام الحجة(عج)، ثمّ يُباح بعد فترة قليلة بانتفاء تلك الظروف. فما أبعد هذه النفسيّة الجافّة الجامدة عن روح الإسلام الذي يريد أن يكون المسلم متأهبّا لاستلام الأوامر الجديدة والمستحدثة؛ هذا الإسلام الذي نشأ في مكّة، ولكن بعد ثلاثة عشر عاما وبعد الهجرة إلى المدينة، حرّم الإقامة في مكّة إلى حين فتحها؛ الإسلام الذي أراد أن يكون أتباعه منعطفين إلى درجة قبول تغيير القبلة، والذي لم يغيّر قبلة المسلمين إلا ليميز بين المطيع وغيره (وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتي‏ كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى‏ عَقِبَيْه‏)[البقرة/143]. وسيكون لهؤلاء المتخشّبين السفهاء والمقدّسين الحمقى موقف سوء من الإمام المهدي(عج) الذي سيصدر بمقتضى ظروفه الاستثنائية أعجب الأحكام ويتخذ أغرب القرارات حتى كأنه يأتي بدين جديد.     

۰ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

53ـ حضارة بلطت شوارع وهدمت جسورا!

إن مشاهد الرحمة والرأفة التي يعيشها الزائر خلال أسبوع في مسيرة الأربعين أكثر في كمّها وكيفها ممّا يشاهده الغربي في بلده خلال عام.
وأنّى للثقافة الرأسماليّة والفكر الأوماني القائم على الأنانيّة وأصالة اللّذة أن يبلور في الإنسان الخصال الإنسانية النبيلة كالرحمة والرأفة والإيثار والجود والسخاء؟!
مهما غُلّفت الأخلاقُ التجاريّة بغلاف مكارم الأخلاق فإنها لا تترك في النفوس أثرها، بل تدع أبناء بيئتها البائسة متعطشين إلى جرعة أخلاق حقيقية غير مزيّفة.
تعساً لحضارة بلّطت شوارع مدنها ولكنها هدمت جسور التواصل بين القلوب، وتبّاً لحضارة أغنت أبناءها - لو أغنتهم فعلاً - ولكنّها أفقرتهم عاطفيّا، فاستشرت بينهم شتّى الأمراض والعقد النفسيّة.
حسبنا من السعادة أن نعيش في مناخ حبّ أهل البيت والتحابب فيهم(ع) وإنه لمناخ لا تقدر على توفيره الحضارات الأخرى، مهما أنتجت من أفلام الحب والغرام، ومهما اصطنعوا نكات توحي بأن الغربي أعرف بالحب والمودة من ابن العراق!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

47ـ نمط الوصفات الإلهية

كلنا سمع بقصة أم موسى (ع). فإنها بعد ما أنجبته في تلك الأيام المتوتّرة والأجواء المتكهربة والظروف العصيبة على كلّ ولد فضلا عن موسى(ع)، خافت عليه وظلّت لا تدري كيف تحافظ عليه. فأوحى الله إليها وأعطاها وصفةً كانت بوصفة الموت والهلاك أشبه منها بوصفة النجاة والحياة. (وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافي‏ وَ لا تَحْزَني‏ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلين‏) [القصص/ 7]. ما هو الدرس الكامن في هذه القصة وما هي العبرة التي تؤخذ منها؟

هل رسالة هذه القصة هي أن نرمي بأولادنا في الشط إن خفنا عليهم؟! وهل قد تصدّت هذه القصة لإعطاء طريق للحفاظ على كل شيء عزيز وغالي؟! بالتأكيد كلا. إذن فما هي رسالتها؟

ثم لا يخفى أنه لا يسعنا أن نعتبر هذه القصّة تحكي حدثا استثنائيّا لن يتكرر بعد أبدا. فلو كانت القصّة استثنائية ولا تعبّر عن قانون ثابت فما الداعي من ذكرها في القرآن الذي أراد أن نتدبر في آياته ونتفكر في قصصه (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون‏) [الأعراف/ 176]؟ فكيف نفكّر فيها وما هي النتيجة التي يمكن أن نخرج بها عبر التفكّر في هذه القصة؟ أفهل هناك حقيقة ثابتة وقانون دائم تحدثت عنه؟

من خلال هذه القصة نفهم أن الله سبحانه وتعالى لا يخالف أهدافنا وغاياتنا التي نصبو إليها. فإذا كنّا نحب الراحة والسعادة واللذة والجاه والأمن والبركة والثروة والصحة والعزّ والأمان، فإنه سبحانه لا يخالف شيئا منها بل هو الذي زرع حبها في قلوبنا لسنعى إليها. ولكنه سبحانه ومن أجل نيل هذه الأهداف في الدنيا قبل الآخرة قد وصف لنا وصفات وأرشدنا إلى طرق هي أبعد ما تكون بحسب ظاهرها من هذه الأهداف. فلا يتخذها ولا يسلكها إلا من وثق بالله وآمن به.

لقد أراد الله لنا الغنى والبركة في المال، ولكنه جعل الإنفاق والزكاة طريقا إليه. وأراد لنا العز والأمان فجعل الجهاد طريقا إليه. وأراد لنا الرفعة والجاه العظيم، وجعل التواضع طريقا إليه. وأراد لنا الاستمتاع بلذات الدنيا فجعل الإمساك وغض السمع والبصر طريقا إليه. فإنه سبحانه تعالى قد ملأ الدنيا بالطرق غير المباشرة. فترى كلما كان الأنبياء يرشدون الناس ويهدونهم إلى هذه الطرق، استهزئوا بهم (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن‏) [يس/30]. 

۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

46ـ استشعر الغنى وأنت فقير

تصوّر شابّا فقيرا مجدّا نجح في الجامعة في اختصاص جراحة القلب، وهو على وشك أن يصبح جراحا حاذقا يجري العمليات ويحصل على راتب ضخم وأجور عالية جدّا. أما الآن فلا يملك هذا الطالب شيئا سوى وريقات تكفيه بالكاد لدفع أجور الذهاب والإياب إلى الجامعة ومنها إلى بيته، فإذا بقي منها شيء ربما سدّ بها جوعه بشطيرة، وإلّا فيمسي جائعا. ولكن كل هذا العناء ومقاساة الفقر لا ينال من سعادة هذا الطالب شيئا، لأنه آمل في مستقبل زاهر وحياة سعيدة. إنه مغتبط بمستقبله جدّا حتى صار إذا مرّت به سيّارة فخمة لا يخفق لها قلبه، إذ يرى أن هذه السيارة دون شأنه وما هي إلا بضع سنين وسيشتري سيارة أفخم منها بكثير وأرقى. وإذا مرّ بقصر جميل، مرّ منه مرور الكرام ونظر إليه نظرة ازدراء إذ يعتقد أن لا قياس بين هذا القصر وما سيشتريه غدا. فتراه يعيش شعور الأغنياء ويحيى حياة السعداء وهو لا يزال شابا مفلسا صفر اليدين.

هذا هو شعور المؤمن في هذه الدنيا. فإنه يأمل في حياة سعيدة ذات لذة لا توصف وسعة لا تنتهي إلى مدى. فما إن وقع نظره على شيء من حطام هذه الدنيا ممّا لا يقدر على شرائه الآن، لم يكترث به ولم يأخذ من قلبه مأخذا، إذ يرى أن لا قياس بين هذا وبين ما سيملكه غدا.

۲ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

28ـ نظرة مجهریة إلى إلکترونات الدین

لم یندبنا الله سبحانه فی القرآن للتدبّر فی آیات الکتاب وحسب، بل دعانا إلى التدبّر وإمعان النظر فی عالم الطبیعة أیضا. فکما قال سبحانه: (کِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَیْکَ مُبارَکٌ لِیَدَّبَّرُوا آیاتِهِ وَ لِیَتَذَکَّرَ أُولُوا الْأَلْباب‏)[ص/29]، قال تعالى: (إِنَّ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْباب‏)[آل عمران/190].

ونحن نعلم أن القرآن کتاب هدى لا کتاب فیزیاء وکیمیاء أو أحیاء. فعندما یتطرق إلى مراحل خلق الجنین فی رحم أمّه لا ینبغی أن نفترض أن قد خرج عن موضوعه إلى موضوع الطّب. وکذلک عندما دعانا القرآن للتأمل فی کیفیّة خلق الإبل ورفع السماء ونصب الجبال وتسطیح الأرض فإنه لم ینحرف عن صلب موضوعه إلى علم الحیوان والفیزیاء وعلم الأرض، بل طرح هذه الحقائق وغیرها من المسائل الطبیعیة تعزیزا لهدفه الرئیس بل الوحید وهو هدایة الناس.

فإذا وجدنا القرآن یتحدّث فی بعض آیاته عن بعض الأبعاد الفیزیائیة والکیمیائیة والفسلجیة فی العالم، لابدّ أن تکون هناک علاقة بین عالم الطبیعة بمختلف أبعاده، وبین هذا البرنامج الإلهی الذی جاء به الرسول الأعظم(ص). وهذا هو المتوقّع جدا، إذ إن الله الذی فرض العبادات ونسق أرکانها وأجزاءها وأنزل دینه بما یشتمل علیه من رخص وعزائم، هو نفسه الذی خلق السماء بنجومها وکواکبها والأرض ببحارها وأنهارها ومعادنها وجبالها والأشجارَ بثمارها وأوراقها والحیوانات بمختلف أعضائها وشرائحها والإنسانَ بطاقاته ونزعاته ومواهبه. فهناک قواسم مشترکة کثیرة بین هذین الصعیدین؛ أی بین الدین والطبیعة. فإن الأسالیب التی استخدمها الله سبحانه وتعالى فی تکوین عالم الطبیعة، قد استخدمها نفسها فی تدوین شریعته الإسلامیّة، غیر أن هناک فوارق لا مناص منها بین عالم التکوین أی عالم الطبیعة، وبین التشریع أی هذا الدین الإسلامیّ الحنیف. فلنذهب قلیلا إلى هذا العالم لمشاهدة بعض الحقائق والقواعد السائدة فیه، ثم نلتفت عنه إلى الدین لنرى أن قد نسّقت أجزاؤه وأقیمت دعائمه وشیّدت أرکانه بنفس تلک الأسالیب والقواعد المستخدمة فی صنع هذا العالم الطبیعی. 

لقد اکتشف العلماء، أنّ مختلف أجسام هذا العالم إنما رکّبت من جزیئات صغیرة جدّا لا ترى بالعین المجرّدة وکذا الجزیئات قد رکّبت من ذرّات، ثم لیست الذرات هی الجزء الأصغر فی الأجسام، بل هی أجسام مرکّبة من جسیمات دون ذریّة کالبروتونات والإلکترونات والنیوترونات. وتدلّ هذه النظریّة العلمیّة التی أظنها أصبحت من المسلّمات، على أن الله سبحانه قد بذل منتهى الدّقة فی صنع العالم. وهو ـ سبحانه أن یکون له مِثْل ـ کالرسّام الذی یرسم لوحات کبیرة جدّا بشعرة واحدة لا بالفرشاة! وکالمعمار الذی یبنی عمارة فخمة جدا بلَبِنات صغیرة لا تتجاوز عن حجم حبّات السکّر! حیث إنه رکّب الجبال وأنشأ البحار وأبدع السماوات والأرضین بترکیب البروتونات والإلکترونات ولم یرض بلَبِنات أکبر!  

ولهذا تجد علماء الفیزیاء والکیمیاء وکذا الأطبّاء فی مختبراتهم یحاولون أن یستخدموا أدقّ الأجهزة والأدوات، إیمانا منهم بمدى دقّة هذا العالم وأهمیة النِّسب والمقادیر فیه. کما أنهم عندما یجرون اختبارا أو عملیّة ما، یأخذون بعین الاعتبار متغیرات کثیرة کالوزن والحجم والمسافة والسرعة والنّسبة والنور والحرارة والضغط وغیرها، إذ کلّ هذه المتغیّرات وإن لم یبال بها الإنسان العامّی، لها تأثیر کبیر فی الظواهر الطبیعیة وأحداثها. هذا هو أسلوب الله سبحانه فی صنع العالم حیث قد بذل منتهى الدّقة فی تصمیمه وإبداعه، فهل یعقل لهذا المصمّم الدقیق جدّا أن لا یبذل دقّته البالغة فی تنسیق شریعته وترکیب أجزاء عباداته وفرض أحکامه ونواهیه؟! ما هکذا الظن به ولا المعروف من عنده.

بهذه الرؤیة قد نستطیع أن نتفاعل مع شریعتنا الإسلامیة وما اشتملت علیه من أرقام ومقادیر وجزئیات دقیقة، ونحملها على محمل الجدّ إیمانا منّا بدقة صنع الله فی تکوینه وتشریعه. فقد یخامرنا أحیانا تساؤل واستغراب عن سبب بعض التعاقید فی أحکام الصلاة وغیرها من العبادات، أن لماذا أمر الله بالجهر فی صلوات الصبح والمغرب والعشاء، ونهى عنه فی الظهر والعصر، وما السبب من هذا التشدّد فی عدد رکعات الصلاة حیث تبطل الصلاة بازدیاد عدد الرکعات ونقصانها سهوا کان أو عمدا! وما الداعی للتشدد فی تلفظ کلمات الصلاة وأداء حروفها بشکل صحیح، وما الفرق بین أول الوقت وآخر الوقت، إلى غیرها من أمثال هذه الأسئلة.

والحقیقة هی أن کثیرا من هذه الأسئلة إنما نجمت من کوننا لم ننظر إلى الصلاة ککائن مرکب من عناصر وجزیئات وذرات وجسیمات دون ذریة. فلو نظرنا إلیها بهذه النظرة لرحبت صدورنا لهذه الدقائق والجزئیات والتفاصیل، ولما قلّ انتباهنا وتوجهنا حین قیامنا للصلاة فی المسجد، عن نباهة الطبیب الجرّاح أثناء مباشرته العملیة فی أحشاء مریضه، أو دقة عالِم الکیمیاء فی عملیة ترکیب العناصر أو تجزئتها فی مختبره، أو حرص عالِم الفیزیاء على حفظ المسافات والزوایا أثناء صنع ظاهرة فیزیائیة. فلابدّ أن نعرف أن هذا الدین عالَم أو کائنٌ هندسه الله الذی هندس هذا العالم الطبیعی بهذه الدّقة العالیة جدّا، ثمّ أمرنا أن نبنیه ونشیّده على أرض الواقع على أساس هذه الخریطة الإلهیة الرائعة والدقیقة جدا، وهی دین الإسلام.

إن هذه الرؤیة إلى الدین قادرة على إزالة بعض الغموض والتساؤلات عن بعض جزئیات الأحکام کحدود الحجاب المیلیمتریة، ومقادیر الخمس المحدّدة، ودقائق شعیرة الحج ومدّة الإمساک فی الصوم، ووقت الأذان وزمن البلوغ وغیرها من الأحکام. کما إذا عرف الإنسان هذه الحقیقة جیّدا سیتواضع لله ولدینه الذی ارتضاه، ولا یتمرّد على ربّه بمجرّد جهله بعلة أحد أحکام الإسلام وحکمته.
۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

27ـ قانون ثبات المشاکل

من خلال مجمل الروایات یبدو أن هناک قانون رائع یتحکم فی حیاة الإنسان وهو أنّه لابدّ لکلّ إنسان أن یتحمّل بعض المشاکل ویعانی من بعض المعاناة فلا مناص ولا مفرّ من المشاکل والمتاعب والآلام المقدّرة له مهما حاول أن یفلت منها. فکأن هناک رصید من المتاعب والمصاعب والمحن قد قدّر لکلّ إنسان بقدر محدّد ولن یغادر الدنیا إلا بعد أن یصرف هذا الرصید کلّه ویتجرّع نصیبه من المشاکل بتمامه وکماله. فإنه منذ نشوئه وترعرعه غرض الأسقام ورهینة الأیام وحلیف الهموم وقرین الأحزان ونصب الآفات کما جاء فی وصیة أمیر المؤمنین لولده الحسن علیهما السلام.

ثم إنّ قسما من هذه المصاعب والمتاعب التی لا مهرب منها ولا مناص، هی ما یواجهه الإنسان فی درب العبادة والجهاد ولزوم الحقّ، فإنه إن أراد التملّص ممّا یفرض علیه هذا الطریق من سَهَر وتعب وجوع وعطش وإنفاق وتضحیات وفرّ منها حرصا على دنیاه وخشیة على راحته، سوف یُبتلى ویتورّط بکلّ ما أراد الفرار منه فی غیر طریق الهدى والحقّ فیتجرع کل هذه المشاکل دون أی أجر ومثوبة، بل قد تصحبها آثام وذنوب تخرّب آخرته وعقباه.

لقد روی عن الإمام موسى الکاظم علیه السلام: «إِیَّاکَ أَنْ تَمْنَعَ فِی طَاعَةِ اللَّهِ فَتُنْفِقَ مِثْلَیْهِ فِی مَعْصِیَةِ اللَّه‏» [تحف العقول، ص408] وکذلک روی عن الإمام الصادق(ع): «أَنْفِقْ وَ أَیْقِنْ بِالْخَلَفِ وَ اعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ لَمْ یُنْفِقْ فِی طَاعَةِ اللَّهِ ابْتُلِیَ بِأَنْ یُنْفِقَ فِی مَعْصِیَةِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ مَنْ لَمْ یَمْشِ فِی حَاجَةِ وَلِیِّ اللَّهِ ابْتُلِیَ بِأَنْ یَمْشِیَ فِی حَاجَةِ عَدُوِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل‏»[من لا یحضره الفقیه، ج4، ص412].

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

19ـ قانون النتائج العکسیة

لم تصمّم القوانین والسنن التی تتحکم فی عالم الدنیا لحیاة الکافر أو الفاسق، بل قد صمّمت من أجل حیاة المؤمنین، وهی أکثر انسجاما وتراهما مع المجتمع المؤمن من غیره. فحیاة المجتمع المؤمن أهنأ وأرغد وألصق بالفؤاد على أفراده من المجتمع البعید عن الدین.

ومن خلال هذا الأصل العام یمکن تفسیر ظاهرة وفور البرکات والخیرات التی ستظهر فی المجتمع المهدوی بعد ظهور الإمام (عج). فإن تلک البرکات العظیمة التی سوف تنبت من الأرض وتهبط من السماء إلى غیرها من البرکات فی کافة أبعاد حیاة المجتمع، إنما هی بسبب إقامة الشریعة الإلهیة فیه؛ (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْض‏) الأعراف/96

من جملة هذه القوانین هو قانون تشیر إلیه الکثیر من الآیات والروایات ونستطیع أن نسمّیه بقانون "النتائج العکسیة".

بموجب هذا القانون، کلما ضحّى الإنسان بشیء فی سبیل الله، یعوّضه الله بمزید من ذلک الشیء من حیث لا یحتسب. وکلما حاول الإنسان أن یحصل على شیء بمعصیة الله، یُبعَد عنه ویحرم ذلک الشیء من حیث لا یشعر.

ففی الواقع لا یُحرَم الإنسان المتّقی شیئا بسبب تدینه وتقواه، وفی المقابل لن ینال الفاسق بالفسق والعصیان ما ابتغاه.

تعال إلى بعض المصادیق.

أ. من الأحکام التی یتملّص منها الکثیر، هی الأحکام المالیة التی تفرض على المسلم دفع بعض ماله، کأحکام الخمس والزکاة والکفّارة والصدقة، أو التی تمنعه من استلام بعض الأموال المحرّمة کالربا والرشوة.

ما أن یواجه الإنسان هذه الأحکام یشعر بأنها عبارة عن قیود وحواجز تمنعه من تحصیل الأرباح وتوفیر الأموال. فیهرب منها مخافة الإملاق وطمعا بالمزید. بید أن القانون التکوینی الإلهی قد اقتضى غیر ذلک، فهو منحاز إلى الإنسان المضحّی بماله فی سبیل الله ویحکم بتعویض مال هذا الإنسان وازدیاد برکة عیشه.

یقول الإمام الصادق علیه السلام: "مَا مِنْ رَجُلٍ أَدَّى الزَّکَاةَ فَنَقَصَتْ مِنْ مَالِهِ وَ لَا مَنَعَهَا أَحَدٌ فَزَادَتْ فِی مَالِهِ". الکافی3: 504

ب. من الأعمال المظلومة والغریبة الأخرى هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، حیث إن أکثر المجتمعات لا تمدح الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر وتعتبره إنسانا تدخل فیما لا یعنیه. وإذا قام أحد بهذه الفریضة عادة ما یلام وینصح بترک هذا العمل الذی لیس إلا "دوخة راس"! وبالنتیجة إذا أردت سعادة الدنیا فلابد لک من ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وإلا فقبّل سعادة الدنیا وداعا وکبّر علیها خمسا. هکذا یوحی إلینا المجتمع…

ولکن الروایات تصارحنا بأن القانون لیس هذا الذی توهّمه أکثر الناس، بل هو قانون آخر. وعلى أساس هذا القانون الثابت التکوینی لن یذوق المجتمع الراغب عن هذه الفریضة طعم الراحة والأمان؛ إذ طلب الأمان عن طریق ترک فریضة من فرائض الله. "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْکَرِ أَوْ لَیُسْتَعْمَلَنَّ عَلَیْکُمْ شِرَارُکُمْ فَیَدْعُو خِیَارُکُمْ فَلَا یُسْتَجَابُ لَهُمْ" الکافی5/56 وکذلک تحدث عنها الإمام الباقر علیه السلام وقال: "فَرِیضَةٌ عَظِیمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَکَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ یُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ یَسْتَقِیمُ الْأَمْر". الکافی5/56

إن هذه الفریضة بحسب الظاهر تهدد أمان الإنسان وتسلب من رزقه وحتى قد تهدد حیاته، ولهذا هرب أکثر الناس منها إذ ینطلقون من وحی الحسابات المادیة. ولکن لا یمشی العالم على أساس الحسابات المادیة والظاهریة وحسب، بل هناک حسابات أعمق وسنن خفیة لا یعیها إلا المتدبر فی القرآن وروایات أهل البیت علیهم السلام.  

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

4ـ وهنا نتفق مع الکفار

قد لا یتفق الناس جمیعا على الإیمان بالمعاد والآخرة، إذ هناک من ینکر المعاد ویکفر به، ولهذا لم یهدف جمیع الناس إلى نیل سعادة الآخرة. کما أن الکثیر من الناس باتوا لا یبالون بالآخرة بسبب ضعف إیمانهم فجعلوا الدنیا کل همّهم وغمّهم ولا یفکرّون إلا بسعادة الدنیا. ومن جانب آخر، لا یفکر المؤمنون بسعادة الآخرة وحسب، بل یطلبون سعادة الدنیا أیضا (ُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّار) [البقرة: 201] فسعادة الدنیا تمثل القاسم المشترک بین أهداف الناس بأجمعهم وقد یکون الموضوع الوحید الذی یشعر جمیع الناس بأهمیته.

وربما یظن البعض أن مفهوم السعادة تختلف من رؤیة إلى رؤیة، ولا یتّفق المؤمن مع الکافر أو الملحد فی رؤیته لسعادة الحیاة الدنیا. ولکنه کلام غیر صائب، إذ أن لا فرق بین مفهوم السعادة وحتى مصداق السعادة بین المؤمن المجاهد العابد الذی یخاف الله وبین الفاسق الفاجر الذی لا یؤمن بأی شیء ولم یترک الملاهی والخمور والفجور یوما.

إن مفهوم سعادة الحیاة الدنیا هو أن یشعر الإنسان فی حیاته الدنیویة بالسعادة واللذة والفرح والسرور والرضا والاطمئنان والارتیاح والعزة والقدرة والکرامة ونحو ذلک. أعط هذا التعریف لأکبر فاجر وأکبر عاهرة فی العالم، فلا أظن أن یخالفوک فیه.

ولکن السبیل الوحید لنیل هذه السعادة واللذة فی الحیاة الدنیا فضلا عن الآخرة هو الالتزام بالإسلام. هذا أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول: "من رزق الدین فقد رزق خیر الدنیا والآخرة" [غرر الحکم: 85] ومعنى الخیر واضح لا یحتاج إلى تفسیر، فهو ینطوی على کل ما سطّرناه فی معنى السعادة.

وفی المقابل، إن الابتعاد عن الله وأحکامه لا یخرّب آخرة الإنسان وحسب، بل یخرب دنیاه أیضا، (وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَإِنَّ لَهُ مَعیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمى‏) [طه: 124] وسوف یأتی یوم القیامة عن قریب ونرى الحقائق مکشوفة بلا ستار، وإذا نجد أن أولیاء الله وعباده الصالحین قد التذّوا فی حیاتهم الدنیویة أکثر من المترفین، حتى فی نومهم ومأکلهم ومشربهم…!

فلنفکّر ونتمعّن فی هذه الحقیقة ونحاول أن نصدّقها قبل أجلنا، فإننا غیر مستغنین عن هذه الرؤیة الرائعة یوما واحدا. 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

3ـ لا تضح بسعادة الدنیا

مما یطمح إلیه جمیع الناس وخاصة الشباب، هو أن یتمتّعوا بحیاة جمیلة وسعیدة فی هذه الدنیا. حیث قد نستطیع أن نفسّر کل أفعال الناس وأنشطتهم کمحاولات لتکثیر حلاوة الحیاة والتقلیل من مرارتها. کما عندما نکشف نحن الشباب عما فی ضمیرنا من آمال وطموح، فی الواقع نتکلم عن تصورنا ورؤیتنا عن الحیاة السعیدة والجمیلة.

عندما یقتدی شابّ بأحد الفنانین الغربیین، فإنه فی الواقع قد اعتبره سعیدا فی حیاته الدنیویة فأراد أن یقترب منه لیحصل على شیء من سعادته. وکذلک من اقتدى بشخصیة علمیة أو ریاضیة أو غیرها فإنه یرى حیاة قدوته حیاة جمیلة وسعیدة.

کما أن الصراع الموجود بین الحضارات یکمن فی أن کل حضارة تدّعی بأنها هی الأجدر على إسعاد الناس فی الحیاة الدنیویة دون غیرها. وإن الأفلام والمسلسلات التی تنتجها هذه الحضارات إنما هی دعایات لمختلف أسالیب الحیاة، حیث تحاول کل حضارة أن تبرز حلاوة أسلوبها فی الحیاة وتخفی العیوب والتعاسة التی لا تنفک عن حیاتها.

لا شک فی أن الإنسان ولاسیما الشابّ مثالی الطموح، فمن الصعب جدا أو من المستحیل أن تقنعه على کفّ الید عن سعادة الدنیا والاکتفاء بسعادة الآخرة. إذ یطلب الإنسان سعادته أینما کان، ولا یرضى بتعاسة إحدى الدارین، فإذا نرى بعض الشباب قد رغبوا عن الدین وباتوا یرتکبون الذنوب والمعاصی، فذلک بسبب أنهم شعروا بوجود تعارض بین الدّین وسعادة الإنسان فی الدنیا، أو شعروا بحلاوة الحیاة الغربیة المتحررة عن قیود الدین، فلجئوا إلیها.

ومن جانب آخر إن کثیرا من الذین یتحدثون باسم الدین ویدعون الناس والشباب إلى الالتزام بالدین یدعوهم إلى التضحیة بسعادة الدنیا من أجل سعادة الآخرة. فیقف الشابّ حائرا لا یدری ماذا یختار مع أن الله لم یدع فی وجوده طاقة تحمّل التعاسة حتى للحظة واحدة.

نحن بحاجة إلى إعادة النظر فی رؤیتنا عن الدین لنرى هل أراد الدین منّا أن نضحی بسعادة الدنیا، وهل نتیجة الالتزام بالدین هی مرارة الحیاة الدنیویة وتعاستها لتکون الحیاة الإلحادیة أجمل وأهنأ لولا وجود الآخرة، أم لا؟

هنا نجیب عن السؤال بجملة واحدة ونوکل البحث والنقاش إلى المواضیع القادمة إن شاء الله، وهو أن الإسلام جاء لتحقیق سعادتنا فی الدنیا والآخرة معا، ومن هذا المنطلق لم ولن یأمرنا الدین بأمر وعمل یؤدی إلى تعاسة حیاتنا الدنیویة أبدا. 


 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري