رشحات فكري وقلمي

۲ مطلب با کلمه‌ی کلیدی «آداب الزیارة» ثبت شده است

52- سؤال غیر وجيه!

ما أكثر ما يُواجَه الزائر بهذا السؤال غير الوجيه: "هل استلمت الضريح؟" فصار كثير من الزوّار يزعم أن الزيارة من دون استلام الضريح غير مضبوطة، فلا تهنأ له الزيارة إلا إذا استطاع أن يشقّ طريقا من بين الازدحام إلى الضريح. فإن قدر على ذلك رجع إلى أهله مسرورا مرفوع الرأس، وإلّا رجع خائباً! ليتنا كنّا ندع هذا السؤال جانبا، لكي لا يشتبه الأمر على بعض فيزعم أن قد أفلح اليوم من استقوى! إن استلام الضريح عمل جيّد وعظيم بلا ريب، ولا يحلو للضريح أن يُترك خالياً، ولعل الزائر إن استطاع أن يقبّل الضريح ولم يفعل فقد جفا، كما أن الاندحاس حول الضريح وسط تدافع الزائرين مفيد لأوجاع الجسم والروح معاً، ولا داعي للتثخين في مراعاة حال الزائر وعدم التزاحم على الضريح، فإن كلّ من خاض هذه الغمرات قد وطّن نفسه على الدفع والدحس وهنيئا له ذلك. كلّ الكلام هو أن لا نجعل قيمة الزيارة مرهونة بوصول يدنا إلى الضريح، ولا نجعل ذلك آخر همّنا في الزيارة، فإن قيمة الزيارة بمدى اتّصال قلب الزائر بالإمام(ع). أئمتنا كرام عظام، فلا يخيّبون الزائر مهما أمكن، ويستضيفونه كما يهوى ويأمل. فإن كان همّه الأخير أن يستلم الضريح، أخذوا بيده وجرّوه إليه لكي لا يرجع خائبا. ولكن إذا جاء الزائر آملا في أن يتّصل قلبُه بالإمام(ع) ويقضي ساعة خلوة معه، فيناجيه ويصبّ دموع البهجة والشوق عنده ويستمتع بلذّة القرب منه، فمثل هذا الزائر أيضا لا يُهمل في الحرم ليرجع خائبا، بل يعينه الإمام(ع) على ما يصبو إليه من زيارة روحانيّة. وإن ارتقى في درجته وسئم هذا القدر من الاتصال الروحي وتمنّى أن يسمع صوت الإمام أيضا، وإلّا رجع خائبا منكسرا، تكلّم معه الإمام(ع). وإن سما بنفسه أعلى واشتاق إلى رؤية وجه الإمام(ع)، أراه وجهه. وهكذا ترتقي جودة الزيارة إلى غير ذي مدى. كل ذلك كرامة من الإمام وحرصا منه على أن لا يرجع الزائر منكسرا خائبا من قبر ابن نبيّه(ص)، ولا يشعر بأن الإمام غير مكترث به. كلما استطاع الزائر أن يتصل قلبه بالإمام بشكل أعمق ويناجيه في حاجاته الأرقى وآماله الأسمى وقضاياه الأهم والأبقى، فزيارته أثمن وأجمل، سواءٌ أقَدِر على استلام الضريح أم لم يقدر. فلو كنّا نتساءل بعد الزيارة - ولو مزاحاً - "هل رأيت الإمام؟ هل سمعت صوته؟" لكنّا أحسن حالا.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

48ـ حافظي على ماء وجهنا يا زنيب

صليت لمدّة أسبوعين صلاة الظهر والعصر في مصلى الإمام الخميني (ره) في مقام السيدة زينب (س) وكنت ألقي كلمة قصيرة بين الصلاتين. قلت في أحد الأيام: لقد جرت سنة أئمة الجماعات على أن يتحفوا المصلين برواية شريفة أو آية قرآنية أو مسألة شرعية، ولكن بودّي أن أقص عليكم اليوم قصّة خيالية لعلّها تحدث لأحدكم لا سامح الله. وهي أن تُحشر يومَ القيامة وبعد الحساب والكتاب تُفتح لك أبواب الجنان لتدخلها خالدا فيها. ولا يسع أحدا أن يتصور مدى فرحتك يومذاك. فبينا أنت ذاهب إلى الجنة مباهيا أهل العالم بما نلته من فوز عظيم، ترى شابّا وسيما جميلا نيّرا عظيم المنزلة والمقام. فيستحيل زهوك تواضعا وخشوعا لمقامه الرفيع ونور وجهه الباهر. فتسلّم عليه بكل إعظام وتسأله: من أنت يا سيدي ومولاي؟ أنبيّ مرسل أم عالم جليل أم صدّيق من الصدّيقين أم ماذا؟

فيقول: لست أنا أحدا ممّا ذكرت. وإنما كنت شابّا أسكن في أحد غياهب أفريقيا. زرت السيدة زينب (سلام الله عليها) في أيام الغيبة قرب الظهور مرّة واحدة. فخاطبتها وقلت: سيدتي ومولاتي! لقد سمعت أن هذه السنين والأيام التي نعيشها هي أيّام عصر الظهور ولعل الإمام المنتظر (عج) سيظهر قريبا. وعلمت أن لأصحاب الإمام والمستشهدين بين يديه مقاما عظيما عند الله. فطمعت بذلك وجئت أطلب هذا التوفيق منك. لا أدري هل لك حصّة في إعداد قائمة أنصار الإمام المهدي (عج) أم لا؟ وهل بإمكانك أن تشفعي لي عند الله وعند الإمام لأكون من أنصاره أم لا؟ ثم لا يخفى عليك يا سيدتي ومولاتي ويا عقيلة بني هاشم أن لا فسحة لي من الوقت لأزورك مرارا وتكرارا وأعيد عليك حاجتي وأطلبها منك خلال أيام وشهور. فإن هذه هي زيارتي الأولى وأظنها الأخيرة.

ثم رجعت إلى بلدي ومضت بعد ذلك بضع سنين ثم ظهر الإمام والتحقت بركب أنصاره وأصحابه واستشهدت بين يديه. وعلمت بعد ذلك في عالم البرزخ أن توفيق استشهادي بين يدي الإمام كان على أثر زيارتي للسيدة زينب (س) وهي التي شفعت لي عند الله وعند الإمام المنتظر (عج).

ثم ينظر إليك بتأمل ويقول: يبدو من شكلك ولهجتك أنك سوري! فما الذي حصلته من السيدة زينب (س) طيلة سنين حياتك في جوارها؟! 
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري