رشحات فكري وقلمي

۵ مطلب در اکتبر ۲۰۱۹ ثبت شده است

53ـ حضارة بلطت شوارع وهدمت جسورا!

إن مشاهد الرحمة والرأفة التي يعيشها الزائر خلال أسبوع في مسيرة الأربعين أكثر في كمّها وكيفها ممّا يشاهده الغربي في بلده خلال عام.
وأنّى للثقافة الرأسماليّة والفكر الأوماني القائم على الأنانيّة وأصالة اللّذة أن يبلور في الإنسان الخصال الإنسانية النبيلة كالرحمة والرأفة والإيثار والجود والسخاء؟!
مهما غُلّفت الأخلاقُ التجاريّة بغلاف مكارم الأخلاق فإنها لا تترك في النفوس أثرها، بل تدع أبناء بيئتها البائسة متعطشين إلى جرعة أخلاق حقيقية غير مزيّفة.
تعساً لحضارة بلّطت شوارع مدنها ولكنها هدمت جسور التواصل بين القلوب، وتبّاً لحضارة أغنت أبناءها - لو أغنتهم فعلاً - ولكنّها أفقرتهم عاطفيّا، فاستشرت بينهم شتّى الأمراض والعقد النفسيّة.
حسبنا من السعادة أن نعيش في مناخ حبّ أهل البيت والتحابب فيهم(ع) وإنه لمناخ لا تقدر على توفيره الحضارات الأخرى، مهما أنتجت من أفلام الحب والغرام، ومهما اصطنعوا نكات توحي بأن الغربي أعرف بالحب والمودة من ابن العراق!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

52- سؤال غیر وجيه!

ما أكثر ما يُواجَه الزائر بهذا السؤال غير الوجيه: "هل استلمت الضريح؟" فصار كثير من الزوّار يزعم أن الزيارة من دون استلام الضريح غير مضبوطة، فلا تهنأ له الزيارة إلا إذا استطاع أن يشقّ طريقا من بين الازدحام إلى الضريح. فإن قدر على ذلك رجع إلى أهله مسرورا مرفوع الرأس، وإلّا رجع خائباً! ليتنا كنّا ندع هذا السؤال جانبا، لكي لا يشتبه الأمر على بعض فيزعم أن قد أفلح اليوم من استقوى! إن استلام الضريح عمل جيّد وعظيم بلا ريب، ولا يحلو للضريح أن يُترك خالياً، ولعل الزائر إن استطاع أن يقبّل الضريح ولم يفعل فقد جفا، كما أن الاندحاس حول الضريح وسط تدافع الزائرين مفيد لأوجاع الجسم والروح معاً، ولا داعي للتثخين في مراعاة حال الزائر وعدم التزاحم على الضريح، فإن كلّ من خاض هذه الغمرات قد وطّن نفسه على الدفع والدحس وهنيئا له ذلك. كلّ الكلام هو أن لا نجعل قيمة الزيارة مرهونة بوصول يدنا إلى الضريح، ولا نجعل ذلك آخر همّنا في الزيارة، فإن قيمة الزيارة بمدى اتّصال قلب الزائر بالإمام(ع). أئمتنا كرام عظام، فلا يخيّبون الزائر مهما أمكن، ويستضيفونه كما يهوى ويأمل. فإن كان همّه الأخير أن يستلم الضريح، أخذوا بيده وجرّوه إليه لكي لا يرجع خائبا. ولكن إذا جاء الزائر آملا في أن يتّصل قلبُه بالإمام(ع) ويقضي ساعة خلوة معه، فيناجيه ويصبّ دموع البهجة والشوق عنده ويستمتع بلذّة القرب منه، فمثل هذا الزائر أيضا لا يُهمل في الحرم ليرجع خائبا، بل يعينه الإمام(ع) على ما يصبو إليه من زيارة روحانيّة. وإن ارتقى في درجته وسئم هذا القدر من الاتصال الروحي وتمنّى أن يسمع صوت الإمام أيضا، وإلّا رجع خائبا منكسرا، تكلّم معه الإمام(ع). وإن سما بنفسه أعلى واشتاق إلى رؤية وجه الإمام(ع)، أراه وجهه. وهكذا ترتقي جودة الزيارة إلى غير ذي مدى. كل ذلك كرامة من الإمام وحرصا منه على أن لا يرجع الزائر منكسرا خائبا من قبر ابن نبيّه(ص)، ولا يشعر بأن الإمام غير مكترث به. كلما استطاع الزائر أن يتصل قلبه بالإمام بشكل أعمق ويناجيه في حاجاته الأرقى وآماله الأسمى وقضاياه الأهم والأبقى، فزيارته أثمن وأجمل، سواءٌ أقَدِر على استلام الضريح أم لم يقدر. فلو كنّا نتساءل بعد الزيارة - ولو مزاحاً - "هل رأيت الإمام؟ هل سمعت صوته؟" لكنّا أحسن حالا.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

51- هذه معاناة خدام الحسين عليه السلام

من الساعات المؤلمة على خادم الحسين(ع) من أصحاب المواكب هي ساعة نفاد ما يستضيف به زوّار الحسين(ع). تراه نشطا مغتبطا مستبشرا ما دام قادرا على تقديم شيء للزوّار السائرين على أقدامهم إلى أبي الأحرار(ع)، ولكن ما إن ينتهي زاده وتصفرّ يدُه، يخامره شعور هو أشبه شيء بالخجل والانكسار! إن هذا الشعور نفسَه، ولكن بشكل أشدّ، يعتري الشابّ المجاهد في سبيل الله أيضا إن أصيب بجرح في جسمه ووجد نفسه عاجزا عن القتال بعد اليوم، فإنها ساعة قاتلة عليه. والله يعلم كم يؤجر المجاهد الجريح على معاناته من هذا الشعور المؤلم والخفيّ! وكذلك ما أصعبه من شعور على من اعتاد أن يقيم مجلسا حسينيّا في بيته كلّ عام، ثم يأتيه عام لا يجد لذلك حولا ولا قوّة! ويعزّ على الخطيب أو الناعي أيضا إن أصيب في حنجرته وصوته فأصبح عاجزا عن ارتقاء المنبر. طوبى لخدّام الحسين(ع) المخلصين الذين اتخذوا هذه الخدمة هويّةً لهم، ولم يجدوا لأنفسهم رأسمالٍ سوى ما يخدمون به سيّد الشهداء(ع). وما أحلاها من حياة يتخذها المرء فرصة لخدمة الحسين(ع) وحسب. فيرى الحسين(ع) حاضرا في حياته معيناً على توفير أسباب خدمته. وساعد الله قلوب هؤلاء الخدام في ساعة انتهاء شوطهم ونفاد رأسمالهم! إن الشهداء وخدّام الحسين(ع) جميعا سيغبطون العباس(ع) على ما سيناله من مقام عظيم! كيف لا، ولا أحد منهم قد ذاق ما ذاقه العباس(ع) من مرارة الخيبة واليأس، يومَ سلبه الله كلّ أسباب الخدمة والنصرة لأخيه الحسين(ع) حتى وقف العبّاس متحيّرا...

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

50- ما أشوق النبي إلا هؤلاء!

لزيارة أمير المؤمنين(ع) في موسم الأربعين طعم خاص. لا يعود بإمكان الزائر في هذا الموسم أن يدخل الحرم الشريف كباقي الأيام، وقد لا يخلو له مكان ليقف أمام الضريح ويباشر زيارته كعادته، إلا أنّ ضجيج الناس واندفاعهم صوب قبر أمير المؤمنين(ع) وتحمّسهم لاستلام الضريح ودويّ ندائهم: حيدر.. حيدر.. وهتافهم "لبيك يا علي" له وقع في قلب الزائر. كأنهم يريدون أن ينتقموا من التاريخ وأهله إذ همّش أمير المؤمنين(ع) وعزله عن مركز قيادة الأمة، فراح يعيش في غربة ووحدة. كأنهم يريدون أن يجبروا ذاك الصمت القاتل الذي غمر تلك الأمة البائسة الخاذلة لأمير المؤمنين (ع) حيث كان يناديهم ويستنهضهم ويصرخ بهم، وهم أشباهُ الأمواتِ بلا صوت ولا نفس! ترى قلوب الزائرين حرّى فمهما ينادون ويضجّون ويصرخون لا يبرد غليلهم من مصابهم بغربة علي(ع) في أيام حياته، حيث لم يُعرف قدرُه ولم يحتفِ به قومُه! لقد جاؤوا من أقصى أنحاء العالم ناقمين على تلك القلوب القاسية التي لم تعشق عليّا فجاءوا وكأنهّ لا حاجة لهم سوى أن يعبّروا عن حبّهم لأمير المؤمنين(ع) بأعلى أصواتهم. إن الأيام والأحداث الراهنة تبشّرنا بقرب زوال آل سعود، فما هي إلا أيام قلائل إن شاء الله ويَرحُب مسجد النبي(ص) لهؤلاء الزوّار مع حرارتهم فيهبّون إلى ضريح النبيّ دون أن تزاحمهم لحية طويلة أو دشداشة قصيرة، فيرجّون جدران المسجد وأعمدته بشعارات حبّ علي(ع). لا أظنّ هذه الصرخات الولائية هي ممّا يؤذي النبي ولا أظنها معنيّة بقوله تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرۡفَعُوۤا۟ أَصۡوَ ٰ⁠تَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِیِّ). فما أشوق النبيّ(ص) إلى حرارة هؤلاء الزوّار وصرخاتهم وما أقرب اللقاء إن شاء الله.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

49- ليتنا نعرف أي دعوة يستجيبها الإمام في مسيرة الأربعين!

لا يُدرى من بين الملايين من خدّام الأربعين وزوّاره أيهم أوفر حظّا وأعظم أجرا؟! ومَن السبّاق في ماراثون الأربعين؟ إن قواعد الحساب لدى الله تضرب بقواعد الرياضيات عرض الجدار، فليس من اليسير بل من المستحيل أن نعرف خير زائر وأفضل خادم من بين هذه الجماهير المليونية. فلعلّ الأم أو الزوجة التي تعدّ حقيبة زوجها أو ابنها لتودّعه إلى الزيارة بلوعة الشوق واللهفة إلى قبر الحسين(ع)، دون أن تجد إلى الزيارة من سبيل، هي لا تقلّ أجرا ممّن أرسلته وودّعته بعين مغرورقة بدمع الحسرة والغبطة. ولعلّ خطواتها في توديع ابنها أو زوجها تعدّ من تلك الخطوات التي تُقَيَّم بالحجّات والعمرات! ولعلّ ذاك الزائر الذي يشدّ رحاله وينطلق إلى حدود العراق ثمّ لا يجد أبوابها مفتوحة ولا يجد وسائل النقل موفّرة فيرجع خائبا منكسرا بعد ما انقطعت به السبل، هو لا يقل أجرا من الزائر الذي تهيّأت له الأسباب وزار الحسين(ع) واقفا على الأعتاب. وما يدريك فلعل العمل الذي لا يحسب بين الناس بشيء ولا يُعَدّ في قائمة مفاخر صاحبه هو أزكى عند الله وأبقى. ليتنا نعرف من أي يد سيتقبّل الإمام المهدي(عج) كأس ماء في طريق الأربعين وأي دعوة سيستجيبها. فلعلّ تلك اليد لا تملك سوى طبق فيه عدة كوؤس من ماء وحسب! وليتنا نعرف في أي موكب سينزل الإمام ويَطعَم، فلعلّ ذاك المنزل لا يُحسب حسب معاييرنا بموكب أصلا ولا يطمع زائر في النزول عنده والأكل منه. لقد سبق السبّاقون بنواياهم الخالصة وآمالهم الراقية فبلغوا بذلك ما لم يبلغه أهل المفاخر والتكاثر!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري