رشحات فكري وقلمي

۳ مطلب با کلمه‌ی کلیدی «السعادة» ثبت شده است

47ـ نمط الوصفات الإلهية

كلنا سمع بقصة أم موسى (ع). فإنها بعد ما أنجبته في تلك الأيام المتوتّرة والأجواء المتكهربة والظروف العصيبة على كلّ ولد فضلا عن موسى(ع)، خافت عليه وظلّت لا تدري كيف تحافظ عليه. فأوحى الله إليها وأعطاها وصفةً كانت بوصفة الموت والهلاك أشبه منها بوصفة النجاة والحياة. (وَ أَوْحَيْنا إِلى‏ أُمِّ مُوسى‏ أَنْ أَرْضِعيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافي‏ وَ لا تَحْزَني‏ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلين‏) [القصص/ 7]. ما هو الدرس الكامن في هذه القصة وما هي العبرة التي تؤخذ منها؟

هل رسالة هذه القصة هي أن نرمي بأولادنا في الشط إن خفنا عليهم؟! وهل قد تصدّت هذه القصة لإعطاء طريق للحفاظ على كل شيء عزيز وغالي؟! بالتأكيد كلا. إذن فما هي رسالتها؟

ثم لا يخفى أنه لا يسعنا أن نعتبر هذه القصّة تحكي حدثا استثنائيّا لن يتكرر بعد أبدا. فلو كانت القصّة استثنائية ولا تعبّر عن قانون ثابت فما الداعي من ذكرها في القرآن الذي أراد أن نتدبر في آياته ونتفكر في قصصه (فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون‏) [الأعراف/ 176]؟ فكيف نفكّر فيها وما هي النتيجة التي يمكن أن نخرج بها عبر التفكّر في هذه القصة؟ أفهل هناك حقيقة ثابتة وقانون دائم تحدثت عنه؟

من خلال هذه القصة نفهم أن الله سبحانه وتعالى لا يخالف أهدافنا وغاياتنا التي نصبو إليها. فإذا كنّا نحب الراحة والسعادة واللذة والجاه والأمن والبركة والثروة والصحة والعزّ والأمان، فإنه سبحانه لا يخالف شيئا منها بل هو الذي زرع حبها في قلوبنا لسنعى إليها. ولكنه سبحانه ومن أجل نيل هذه الأهداف في الدنيا قبل الآخرة قد وصف لنا وصفات وأرشدنا إلى طرق هي أبعد ما تكون بحسب ظاهرها من هذه الأهداف. فلا يتخذها ولا يسلكها إلا من وثق بالله وآمن به.

لقد أراد الله لنا الغنى والبركة في المال، ولكنه جعل الإنفاق والزكاة طريقا إليه. وأراد لنا العز والأمان فجعل الجهاد طريقا إليه. وأراد لنا الرفعة والجاه العظيم، وجعل التواضع طريقا إليه. وأراد لنا الاستمتاع بلذات الدنيا فجعل الإمساك وغض السمع والبصر طريقا إليه. فإنه سبحانه تعالى قد ملأ الدنيا بالطرق غير المباشرة. فترى كلما كان الأنبياء يرشدون الناس ويهدونهم إلى هذه الطرق، استهزئوا بهم (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُن‏) [يس/30]. 

۱ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

46ـ استشعر الغنى وأنت فقير

تصوّر شابّا فقيرا مجدّا نجح في الجامعة في اختصاص جراحة القلب، وهو على وشك أن يصبح جراحا حاذقا يجري العمليات ويحصل على راتب ضخم وأجور عالية جدّا. أما الآن فلا يملك هذا الطالب شيئا سوى وريقات تكفيه بالكاد لدفع أجور الذهاب والإياب إلى الجامعة ومنها إلى بيته، فإذا بقي منها شيء ربما سدّ بها جوعه بشطيرة، وإلّا فيمسي جائعا. ولكن كل هذا العناء ومقاساة الفقر لا ينال من سعادة هذا الطالب شيئا، لأنه آمل في مستقبل زاهر وحياة سعيدة. إنه مغتبط بمستقبله جدّا حتى صار إذا مرّت به سيّارة فخمة لا يخفق لها قلبه، إذ يرى أن هذه السيارة دون شأنه وما هي إلا بضع سنين وسيشتري سيارة أفخم منها بكثير وأرقى. وإذا مرّ بقصر جميل، مرّ منه مرور الكرام ونظر إليه نظرة ازدراء إذ يعتقد أن لا قياس بين هذا القصر وما سيشتريه غدا. فتراه يعيش شعور الأغنياء ويحيى حياة السعداء وهو لا يزال شابا مفلسا صفر اليدين.

هذا هو شعور المؤمن في هذه الدنيا. فإنه يأمل في حياة سعيدة ذات لذة لا توصف وسعة لا تنتهي إلى مدى. فما إن وقع نظره على شيء من حطام هذه الدنيا ممّا لا يقدر على شرائه الآن، لم يكترث به ولم يأخذ من قلبه مأخذا، إذ يرى أن لا قياس بين هذا وبين ما سيملكه غدا.

۲ تعداد التعليقات موافقين ۱ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

3ـ لا تضح بسعادة الدنیا

مما یطمح إلیه جمیع الناس وخاصة الشباب، هو أن یتمتّعوا بحیاة جمیلة وسعیدة فی هذه الدنیا. حیث قد نستطیع أن نفسّر کل أفعال الناس وأنشطتهم کمحاولات لتکثیر حلاوة الحیاة والتقلیل من مرارتها. کما عندما نکشف نحن الشباب عما فی ضمیرنا من آمال وطموح، فی الواقع نتکلم عن تصورنا ورؤیتنا عن الحیاة السعیدة والجمیلة.

عندما یقتدی شابّ بأحد الفنانین الغربیین، فإنه فی الواقع قد اعتبره سعیدا فی حیاته الدنیویة فأراد أن یقترب منه لیحصل على شیء من سعادته. وکذلک من اقتدى بشخصیة علمیة أو ریاضیة أو غیرها فإنه یرى حیاة قدوته حیاة جمیلة وسعیدة.

کما أن الصراع الموجود بین الحضارات یکمن فی أن کل حضارة تدّعی بأنها هی الأجدر على إسعاد الناس فی الحیاة الدنیویة دون غیرها. وإن الأفلام والمسلسلات التی تنتجها هذه الحضارات إنما هی دعایات لمختلف أسالیب الحیاة، حیث تحاول کل حضارة أن تبرز حلاوة أسلوبها فی الحیاة وتخفی العیوب والتعاسة التی لا تنفک عن حیاتها.

لا شک فی أن الإنسان ولاسیما الشابّ مثالی الطموح، فمن الصعب جدا أو من المستحیل أن تقنعه على کفّ الید عن سعادة الدنیا والاکتفاء بسعادة الآخرة. إذ یطلب الإنسان سعادته أینما کان، ولا یرضى بتعاسة إحدى الدارین، فإذا نرى بعض الشباب قد رغبوا عن الدین وباتوا یرتکبون الذنوب والمعاصی، فذلک بسبب أنهم شعروا بوجود تعارض بین الدّین وسعادة الإنسان فی الدنیا، أو شعروا بحلاوة الحیاة الغربیة المتحررة عن قیود الدین، فلجئوا إلیها.

ومن جانب آخر إن کثیرا من الذین یتحدثون باسم الدین ویدعون الناس والشباب إلى الالتزام بالدین یدعوهم إلى التضحیة بسعادة الدنیا من أجل سعادة الآخرة. فیقف الشابّ حائرا لا یدری ماذا یختار مع أن الله لم یدع فی وجوده طاقة تحمّل التعاسة حتى للحظة واحدة.

نحن بحاجة إلى إعادة النظر فی رؤیتنا عن الدین لنرى هل أراد الدین منّا أن نضحی بسعادة الدنیا، وهل نتیجة الالتزام بالدین هی مرارة الحیاة الدنیویة وتعاستها لتکون الحیاة الإلحادیة أجمل وأهنأ لولا وجود الآخرة، أم لا؟

هنا نجیب عن السؤال بجملة واحدة ونوکل البحث والنقاش إلى المواضیع القادمة إن شاء الله، وهو أن الإسلام جاء لتحقیق سعادتنا فی الدنیا والآخرة معا، ومن هذا المنطلق لم ولن یأمرنا الدین بأمر وعمل یؤدی إلى تعاسة حیاتنا الدنیویة أبدا. 


 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري