رشحات فكري وقلمي

۹ مطلب با موضوع «أهل البیت» ثبت شده است

59ـ إنها نتاج مصائب العباس

إن ما سجّله أبناء مدرسة أهل البيت عليهم السلام على مرّ التاريخ ولا سيما في عصرنا الحاضر من صور المقاومة والشجاعة والغيرة ورفض الذّل أكثر وأروع بكثير من باقي الأمم على الرغم من شدّة العداء على الشيعة وكثرة التطاول عليهم. ما أكثرَ الشعوبَ المظلومة والمضطهدة التي استُعبدت وهتكت أعراضُها بل نُهبت نساؤها إماءً، أما الشيعة فتاريخهم لا يحكي عن مثل هذه المآسي إلا ما ندر. فلم تُستَبَح مدينةٌ شيعيّة كما استبيحت المدينةُ في واقعة الحرّة ولم يظفر الأعداء باستعباد رجال ونساء من الشيعة كما فعلوا ببعض الشعوب الأفريقيّة أو ما فعلت داعش بغير الشيعة.
ما الذي يملكه الشيعة ويفقده الآخرون؟! ولمن الفضل يا ترى؟! 
الفضل كله لأبي الفضل العباس عليه السلام! لقد بكينا نحن الشيعة جيلا بعد جيل على العباس لا حزنًا على مصابه فحسب، بل إعجابًا بحميّته وفخرًا بغيرته واعتزازًا بشجاعته وابتهاجًا بقامته واغتباطًا بهيبته أيضًا. بكينا على خيبة أمله في الدفاع عن بنات رسول الله أكثر من بكائنا على جراحه ومصرعه. لقد تجرّع العبّاس يوم عاشوراء لوعة خيبة الأمل في الذبّ عن حرم رسول الله، واللهُ وحده يعلم كيف تقطع قلبه حزنًا على سبيهم. إن بلاءً كهذا قدره الله لعبده الصالح يوم عاشوراء، فقد حال بينه وبين كلّ طموحه وأمانيه من المبارزة في الميدان بين يدي أخيه الحسين وسقي حرم رسول الله والحفاظ عليهن من السبي. إنها لصفقة مربحة بين المولى والعبد؛ سلبه كلّ شيء ليعطيه كلّ شيء. لقد أطلق الله يدي العباس ومكّنه من أن يدسّ في عروق كل من فُجِع بمصابه جُرَعًا من الغيرة والحمية والشجاعة ما حفظت بها أعراضنا على مرّ العصور وفي خضم عداء ألد أعداء الحق. نعم لم يعد العباس خائبًا في الحفاظ على أعراض شيعة أمير المؤمنين عليه السلام. 
ها قد تركت مصائب العباس أثرها في نفوسنا ولم يتجسد كل أثرها فينا بعد. المستقبل إن شاء الله زاهر ومشرق وسيخرج جيل من الشباب لهم هيبة في قلوب الأعداء وبهم سينصر الله مهدي هذه الأمة. إنهم نتاج مصائب العباس بل هديةٌ إلى المهديّ(عج) من عَمِّه.

 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

58ـ شكرا للقرايات

إن قسمًا من قوّات الحشد الشعبيّ المبارك قد انطلقوا إلى ساحات القتال بشحنة حبّ الحسين عليه السلام ولم يخرّجهم إلّا مواكب المآتم والعزاء. ولذلك فإن لهذه المجالس فضلًا على حياتنا ووجودنا وأمننا وأعراضنا، لما ربّت من مجاهدين أبطال وشجعان جاهدوا دفاعا عن الدين والعزّ والكرامة. لا يشارك الشهيدَ في أجره والداه فحسب، بل كلّ من ساهم في تكوين بيئته التي نشأ وتربّى فيها شجاعًا وعزيزًا وثائرًا، شريك وله حصّته من أجره. فطوبى للشاعر الحسينيّ الذي كانت لأبياته دور في تربية جيل يأبى الظلم ولا قِبَل له بالذّل. وهنيئًا لكلّ صاحب موكبٍ جاهد بماله في سبيل سيّد الشهداء، فنشأ بعده شباب هان عليهم الجهاد بأنفسهم ورَخُصَت دون الحسين أرواحهم. وهنيئًا لكلّ أمّ غذّت طفلها بحبّ الحسين عليه السلام ليكون مستعدًّا لتقبّل كلّ معاني الخير ورافضًا بفطرته وروحه الحسينيّة كلّ أشكال الشرّ. وبارك الله في الخطيب الحسينيّ الذي قرأ على الناس كلمات أبي الأحرار عليه السلام، فترك بصمة أثره في نفوسٍ أبيّة لا تبايع الظالم وتجتنب الطاغوت.
 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

52- سؤال غیر وجيه!

ما أكثر ما يُواجَه الزائر بهذا السؤال غير الوجيه: "هل استلمت الضريح؟" فصار كثير من الزوّار يزعم أن الزيارة من دون استلام الضريح غير مضبوطة، فلا تهنأ له الزيارة إلا إذا استطاع أن يشقّ طريقا من بين الازدحام إلى الضريح. فإن قدر على ذلك رجع إلى أهله مسرورا مرفوع الرأس، وإلّا رجع خائباً! ليتنا كنّا ندع هذا السؤال جانبا، لكي لا يشتبه الأمر على بعض فيزعم أن قد أفلح اليوم من استقوى! إن استلام الضريح عمل جيّد وعظيم بلا ريب، ولا يحلو للضريح أن يُترك خالياً، ولعل الزائر إن استطاع أن يقبّل الضريح ولم يفعل فقد جفا، كما أن الاندحاس حول الضريح وسط تدافع الزائرين مفيد لأوجاع الجسم والروح معاً، ولا داعي للتثخين في مراعاة حال الزائر وعدم التزاحم على الضريح، فإن كلّ من خاض هذه الغمرات قد وطّن نفسه على الدفع والدحس وهنيئا له ذلك. كلّ الكلام هو أن لا نجعل قيمة الزيارة مرهونة بوصول يدنا إلى الضريح، ولا نجعل ذلك آخر همّنا في الزيارة، فإن قيمة الزيارة بمدى اتّصال قلب الزائر بالإمام(ع). أئمتنا كرام عظام، فلا يخيّبون الزائر مهما أمكن، ويستضيفونه كما يهوى ويأمل. فإن كان همّه الأخير أن يستلم الضريح، أخذوا بيده وجرّوه إليه لكي لا يرجع خائبا. ولكن إذا جاء الزائر آملا في أن يتّصل قلبُه بالإمام(ع) ويقضي ساعة خلوة معه، فيناجيه ويصبّ دموع البهجة والشوق عنده ويستمتع بلذّة القرب منه، فمثل هذا الزائر أيضا لا يُهمل في الحرم ليرجع خائبا، بل يعينه الإمام(ع) على ما يصبو إليه من زيارة روحانيّة. وإن ارتقى في درجته وسئم هذا القدر من الاتصال الروحي وتمنّى أن يسمع صوت الإمام أيضا، وإلّا رجع خائبا منكسرا، تكلّم معه الإمام(ع). وإن سما بنفسه أعلى واشتاق إلى رؤية وجه الإمام(ع)، أراه وجهه. وهكذا ترتقي جودة الزيارة إلى غير ذي مدى. كل ذلك كرامة من الإمام وحرصا منه على أن لا يرجع الزائر منكسرا خائبا من قبر ابن نبيّه(ص)، ولا يشعر بأن الإمام غير مكترث به. كلما استطاع الزائر أن يتصل قلبه بالإمام بشكل أعمق ويناجيه في حاجاته الأرقى وآماله الأسمى وقضاياه الأهم والأبقى، فزيارته أثمن وأجمل، سواءٌ أقَدِر على استلام الضريح أم لم يقدر. فلو كنّا نتساءل بعد الزيارة - ولو مزاحاً - "هل رأيت الإمام؟ هل سمعت صوته؟" لكنّا أحسن حالا.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

50- ما أشوق النبي إلا هؤلاء!

لزيارة أمير المؤمنين(ع) في موسم الأربعين طعم خاص. لا يعود بإمكان الزائر في هذا الموسم أن يدخل الحرم الشريف كباقي الأيام، وقد لا يخلو له مكان ليقف أمام الضريح ويباشر زيارته كعادته، إلا أنّ ضجيج الناس واندفاعهم صوب قبر أمير المؤمنين(ع) وتحمّسهم لاستلام الضريح ودويّ ندائهم: حيدر.. حيدر.. وهتافهم "لبيك يا علي" له وقع في قلب الزائر. كأنهم يريدون أن ينتقموا من التاريخ وأهله إذ همّش أمير المؤمنين(ع) وعزله عن مركز قيادة الأمة، فراح يعيش في غربة ووحدة. كأنهم يريدون أن يجبروا ذاك الصمت القاتل الذي غمر تلك الأمة البائسة الخاذلة لأمير المؤمنين (ع) حيث كان يناديهم ويستنهضهم ويصرخ بهم، وهم أشباهُ الأمواتِ بلا صوت ولا نفس! ترى قلوب الزائرين حرّى فمهما ينادون ويضجّون ويصرخون لا يبرد غليلهم من مصابهم بغربة علي(ع) في أيام حياته، حيث لم يُعرف قدرُه ولم يحتفِ به قومُه! لقد جاؤوا من أقصى أنحاء العالم ناقمين على تلك القلوب القاسية التي لم تعشق عليّا فجاءوا وكأنهّ لا حاجة لهم سوى أن يعبّروا عن حبّهم لأمير المؤمنين(ع) بأعلى أصواتهم. إن الأيام والأحداث الراهنة تبشّرنا بقرب زوال آل سعود، فما هي إلا أيام قلائل إن شاء الله ويَرحُب مسجد النبي(ص) لهؤلاء الزوّار مع حرارتهم فيهبّون إلى ضريح النبيّ دون أن تزاحمهم لحية طويلة أو دشداشة قصيرة، فيرجّون جدران المسجد وأعمدته بشعارات حبّ علي(ع). لا أظنّ هذه الصرخات الولائية هي ممّا يؤذي النبي ولا أظنها معنيّة بقوله تعالى: (یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَا تَرۡفَعُوۤا۟ أَصۡوَ ٰ⁠تَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ ٱلنَّبِیِّ). فما أشوق النبيّ(ص) إلى حرارة هؤلاء الزوّار وصرخاتهم وما أقرب اللقاء إن شاء الله.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

21ـ لا یتأسى بالرسول إلا من...

إن حیاة العلماء مملوءة بالدروس والخبرات القیّمة، لکن لا یستفید منها إلا من سلک منهج طلب العلم والتعلّم وأراد أن یعیش حیاة العلماء وطلاب العلم، وأما الإنسان الذی لم یهتم بالعلم ولم یهدف إلى طلبه، فلم یستطع أن یتأسى بحیاة العلماء مهما قرأ حیاتهم واطلع على سلوکهم ومنهجهم فی طلب العلم.
وکذلک الأمر بالنسبة إلى أبطال العالم فی عالم الریاضة، حیث لا یقتدی بهم إلا الریاضیّ الذی یأمل أن یصبح بطلا فی المستقبل.
إن الله سبحانه وتعالى قد عرّف النبیّ (صلى الله علیه وآله) قدوة وأسوة للناس وقال "لَقَدْ کانَ لَکُمْ فی‏ رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة" لکن هل الجمیع مؤهلون للتأسی برسول الله (صلى الله علیه وآله) أم لا یهتدی لهذا الطریق إلا فئة من الناس؟ فمن الذی یستطیع أن یستفید من سیرة النبی (صلى الله علیه وآله) ویتقدی به؟ هذا ما أجابت علیه تکملة الآیة نفسها حیث تقول: "لِمَنْ کانَ یَرْجُوا اللَّهَ وَ الْیَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَکَرَ اللَّهَ کَثیرا" [الأحزاب: 21]
الإنسان الذی جعل الدنیا غایة اهتمامه ومرامه ونسی الله والیوم الآخر لن یتمکن من الاقتداء بالرسول حتى ولو عاش معه عشرات السنین، وکلما ازداد الإنسان ذکرا لله والیوم الآخر ورجا رضوان ربه فی جنة النعیم، یسهل علیه التأسی بالرسول الکریم (صلى الله علیه وآله).
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

18ـ لیس الحسینی من... بل الحسینی من...

من أفضل السباقات والمنافسات فی هذا العالم هو أن نتسابق مع بعضنا فی أن نکون حسینیین وأن نتحلىّ بصفات الحسینیّ الأصیل.

والأهم من ذلک هو أن نعرف خصائص الحسینی الحقیقی لنجعلها ملاکا ومعیارا فی تقییم أنفسنا على أساس هذا المقیاس. إذ عندما ننزل إلى المجتمع قد نواجه بعض المعاییر التی قد تعتبر مسائل هامشیة وبعیدة عن هدف الحسین الرئیس فی حرکته وثورته.

إن إقامة المآتم ومجالس العزاء على الحسین (علیه السلام) من أهم وأفضل ما یمکن أن نقوم به فی محرّم، ولکن لیس کل من أقام المجالس والهیئات حسینیا.

کما أن صرف الأموال فی سبیل الحسین (علیه السلام) وطبخ التمّن والقیمة عمل حسن بلا أی شکّ وریب، وجزا الله الباذلین والطابخین والصابّین والموّزعین خیر جزاء، إلّا أنه لیس هذا العمل حاسما فی تعیین الحسینیّ الأصیل.

وکذلک الأمر بالنسبة إلى الخطابة وصعود المنبر وإلقاء القصائد واللطمیات والحضور فی المجالس ولبس السواد ونصب السواد واللطم وحتى البکاء…، فإن کلّها أعمال عظیمة ومأجورة إن أدّیت بالشکل الصحیح ولکنها لیست المعیار الأخیر والحاسم فی تشخیص الإنسان الحسینیّ. إذن ما هو المعیار؟!

عندما نهض الحسین (علیه السلام) بدأ بمشروع عالمیّ مستقبلیّ واستنصر المسلمین لیعینوه على إنجاز المشروع، بید أنه قد شرط شرطا فی قبول النصرة وقال منذ انطلاقته: " من کان باذلا فینا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فلیرحل معنا" [اللهوف، ص60] هذا کان شرط الحسین (علیه السلام) فی قبول الأنصار، وهذا هو المعیار الأصیل فی تمییز الحسینیّ عن غیره.

فالحسینیّ الحقیقی هو الذی عرف أهداف ثورة الحسین ( علیه السلام) فی هذا الزمان وشخّص ما یریده الإمام من المسلمین فی هذا العصر واستعدّ للشهادة وبذل النفس والنفیس دون هذا الهدف، فشتّان بین بکاء هذا الإنسان ولطمه على سید الشهداء (علیه السلام) وبین من شغلته سمعة موکبه وهیئته عن أهداف الحسین (علیه السلام).

بقدر ما اقتربت مجالسنا من أهداف الإمام الحسین (علیه السلام) وحاولت أن تشحن الناس غضبا على أعداء الإسلام وعشقا للشهادة فی سبیل الإسلام، یمکن أن نعتبرها حسینیة وعلى خطّ الحسین (علیه السلام).

لقد أخذ الحسین (علیه السلام) بید القاسم وجاء به إلى کربلاء لیَسمع العالم کله أن الموت عند هذا الصبیّ أحلى من العسل وکان کل قلقه لیلة العاشر من محرّم هو أنه هل سینال غایة أمله ویتشحط بدمه بین یدیّ أبی عبد الله أم لا؟ أما إذا نسینا الأهداف السامیة من ثورة الحسین (علیه السلام) قد یصل بنا الأمر إلى أن نجعل من القاسم رمزا ومثالا للشابّ الخائب المسکین الذی کان کل همّه الزواج مع خطیبته، فحال الموت بینه وبین آماله!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

17ـ إنه دورة مکثفة

إن أکثر المراکز التعلیمیة والتدریبیة والتربویة التی تستقطب عددا من العناصر أو الطلاب ونحو ذلک قد وضعت مجموعة من الأهداف أمامها لتصبو إلیها وتحاول أن تأخذ بید عناصرها إلى تلک الأهداف. کالجامعة التی تهدف إلى تخریج کوادر کفوءة فی مختلف التخصصات اللازمة لبناء البلد، أو المعاهد الفنیة التی تسعى لتعلیم الفن والمهن للطلاب. إن هذه المؤسسات والمدارس والمعاهد ومن أجل الوصول إلى أهدافها تضع برنامجا ثابتا ومن خلاله تسعى لتحقیق الأهداف.

الأسلوب الذی تعتمده أکثر المؤسسات والمدارس والجامعات هو أن لا تکتفی بنظامها الرتیب الیومی ولا تعتبره کافیا فی إنجاز ما تطمح إلیه، بل ترفق إلى جانبه بعض الدورات والمخیمات التأهیلیة للطلاب والعناصر، وذلک من أجل أن تساعد العناصر لتحقیق الأهداف التی لا یمکن الوصول إلیها عبر ذلک النظام الرتیب.

لا ننس أن هذه الدنیا عبارة عن معهد تعلیم ومرکز تدریب هیأه الله سبحانه وتعالى للإنسان لیطوّر ذاته ویکسب الفضائل ویتحلّى بالقیم الإلهیة. فأعد الله برنامجا واسعا شاملا للإنسان لیمشی على أساسه ویترقّى بموجبه. لکن یبدو أنّ الله سبحانه لم یکتف أیضا بالبرنامج الروتینی الیومی للإنسان ولهذا نجده أعدّ بعض الدورات والمخیّمات المکثفة للإنسان، من قبیل شهر رمضان الذی یمثل الدورة المکثّفة، وکذلک الحجّ الذی عبارة عن مخیم رائع لتدریب الإنسان على العبودیة.

وأما هذا الموسم (محرم وصفر) الذی نعیشه ونحییه بالمجالس والمآتم فلابد أیضا أن نعتبره دورة مکثفة لتأخذ بید الإنسان إلى أهداف لا تدرک إلا عن طریق البکاء وإقامة العزاء على الحسین (علیه السلام) وإشاعة ثقافة کربلاء.

إن هذه الرؤیة إلى محرم وصفر وموسم عزاء أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) تشحن الإنسان وتدفعه لأداء دور فعال فی هذه الأیام، إذ سوف لا ینظر إلى قضیة الحسین (علیه السلام) کقصة وتاریخ لا أثر لها سوى الثواب، بل یجدها طاقة حراریة ومحرّکا للفرد والمجتمع فی حیاته وحرکته الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة والجهادیة وفی جمیع مجالات التطور والکمال.     

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

16ـ کنز لا یدرى ثمنه

عندما یوجب الله سبحانه وتعالى عملا معینا أو یندب إلى أداء عمل خاص، عادة ما یکتفی بإعطاء الحکم وبیان شیء یسیر من فوائده وحسب. وکذلک الحال بالنسبة إلى أسلوب أهل البیت (علیهم السلام) فی الکلام عن العبادات والواجبات والمستحبات، إذ لا یکشفون آثار العمل وحقیقته تماما، بل یکتفون ببعض الإشارات لا أکثر.

أضرب مثالا؛ من المؤکد أن الله سبحانه وتعالى قد أعدّ مجموعة کبیرة من الأهداف السامیة للإنسان، ثم بدأ بتصمیم کیفیة الصلاة بحیث تأخذ بید الإنسان إلى تلک الأهداف، ولکن لم یکشف الله تلک الغایات بتمامها ولم یطلع الناس على تفاصیل العلاقة بین أعمال وأذکار الصلاة وتلک الغایات. نعم، لقد قال سبحانه: (وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَر) [العنکبوت: 45] ولکن تبقى التفاصیل مستورة لا یعلمها أحد. إذ لا یشرح سبحانه کیفیة تأثیر الصلاة على استئصال بعض الرذائل الأخلاقیة، أو کیفیة تأثیرها على ارتقاء أخلاق الإنسان، أو طریقة عملها على تکوین ملکة الورع والتقوى فی روح الإنسان، أو مدى تأثیرها على الرزق والصحة فی هذه الدنیا وما هی علاقتها على الأحوال الجویة والبیئیة ونزول الأمطار وغزارة الأنهار و  فیبدو أن الله أراد أن نعیش هذا الغموض أثناء عملنا بالإسلام، ولعل السبب هو أنه أراد أن یؤدی الإنسان هذه العبادات بدافع الطاعة والاعتماد على الله.

ومن أبرز مصادیق الأعمال العظیمة التی لا نستطیع أن نعرف آثارها جیدا، ولا ندری ماذا رتّب الله علیها من آثار، هو ذکر مصائب الحسین والبکاء على الحسین (علیه السلام). یفهم من بعض الروایات أن قضیة الحسین مشروع لحفظ الإسلام وإن مجالس الحسین وظاهرة العزاء والبکاء على الحسین إنما هی استمرار وامتداد لتلک الثورة التی فجرها الحسین بدمائه. إن الثواب الذی أعده الله سبحانه لأی عمل مرتبط بقضیة الحسین عجیب غریب. وکل هذا یشیر إلى أن إحیاء قضیة الحسین عمل عظیم لا تحصى أبعاده وآثاره وبرکاته.

إن هذه الرؤیة تزید الإنسان تواضعا فی مجالس الحسین کما تزیده بصیرة تجاه هذه المدرسة العظیمة. سوف یعلم بهذه الرؤیة أن موسم محرم وصفر لیس موسما لکسب الثواب فقط، بل هو مدرسة تعطی کل ما یحتاجه الإنسان فی مسیره نحو الله، من البصیرة والشجاعة والصبر والإیثار والعزم والعبادة والرحمة وجمیع مکارم الأخلاق. هذا هو أثر البکاء على الحسین (علیه السلام) على سبیل الإجمال، وأما تفصیل الأمر وحقیقته فهو سرّ لا یعلمه إلا الله.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

13ـ الخوف والرجاء فی واقعة کربلاء

لیت کنا نستطیع أن نلتقی بقتلة الحسین (علیه السلام) من أهل الکوفة ونسألهم هل کنتم تحتملون أن تتورطوا بهذه الجریمة البشعة؟ من المؤکد أنهم لم یکونوا یتوقعون أن یسفّوا إلى هذا المستوى من الحضیض والانحطاط، وذلک لأن أهل الکوفة هم الذین أرسلوا عشرات الآلاف من الرسائل للإمام وأعدّوا أنفسهم لنصرته، وهم الذین سبقوا باقی الأقوام والشعوب فی الاستعداد لنصرة الحسین (علیه السلام) وهم الذین دعوا الإمام وراحوا ینتظرونه لیل نهار. هذا کان حال أهل الکوفة عندما انطلق الحسین (علیه السلام) لمواجهة یزید. فهل کانوا یتوقعون بأنهم سیؤدون الدور الرئیس فی جریمة قتل الحسین (علیه السلام)؟! بالتأکید کلا.

لا نرید أن ندخل فی تفاصیل الموضوع ونبحث فی أسباب هذا الحدث والانحطاط ولکن الحقیقة الواضحة التی قد تبلورت جلیا فی هذه الواقعة ولابد أن نجعلها نصب أعیننا هی أن مجال السقوط مفتوح إلى هذه الدرجة. ولعل هذه الحقیقة تمثل أهمّ عبرة من عبر معرکة کربلاء.

إن واقعة کربلاء تبیّن أنه یمکن لأمة لها سابقة فی الإیمان والإسلام أن تهوی وتسقط عن مکانتها وتصبح مثلا یضرب بها فی سوء العاقبة. کما یمکن ذلک للفرد أیضا فقد أشار القرآن الکریم إلى نماذج من الأفراد الذین ساءت عاقبتهم وأصبحوا مثلا لسوء العاقبة وعلى رأسهم إبلیس اللعین الذی حبطت أعماله بعد ستة آلاف سنة قضاها فی العبادة والإطاعة، فأحبط عمله الطویل وجهده الجهید عن کبر ساعة وأصبح رجیما ولعینا إلى أبد الآبدین. 

ومن جانب آخر إن واقعة کربلاء تمثل مشهدا تجلت فیه أروع صور الهدایة والتوبة وحسن العاقبة. إن قصصها وأحداثها خیر شاهد على غایة حلم الله وسعة رحمته. لقد أتم الحرّ وزهیر بن القین وغیرهم الحجة على کل المذنبین والمبتعدین عن درب الحقّ فی أن الله تواب رحیم وقد فتح مجال الارتقاء والتحلیق فی الدرجات العلیا لکل الناس، حتى لمن تورط بظلم الحسین (علیه السلام).

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري