رشحات فكري وقلمي

۲ مطلب با کلمه‌ی کلیدی «ولایة الفقیه» ثبت شده است

45ـ قدرة أولي الأبصار على كشف الأحداث والأشخاص

يومَ بُعث النبي ص في مكة ولم يؤمن به إلا عليّ وخديجة عليهما السلام،  وحينَ كانوا يصلون معا في أوج الغربة والقِلّة، أي عربي أو قرشيّ قد استطاع أن يدرك حجم هذا الحدث وعِظَم هذا النبأ المتمثل بمبعث النبي صلى الله عليه وآله؟ ومن كان يُصَدِّق بأن هذا الحدث سيشكل أعظم منعطف في التاريخ؟ 

لقد جرت سنة حياة البشر على أن لا تُدرَك عظمة الأحداث إلا بعد مضي أحقاب من الدهر، ولا يُعرف قدر الأشخاص ألا بعد سنين طوال. 

أما أولو الأبصار وألو الألباب فهم يرون في الأحداث والأشخاص ما لا يراه سائر الناس.

كان الشهيد الصدر رضوان الله تعالى عليه الذي مرت علينا ذكرى استشهاده، نموذجا رائعا من أولي الأبصار،  فإنه ـ على ما ذكر السيد محمود الهاشمي أحدُ أبرز تلاميذه - بعد ما اطلع على تقرير الدرسين الأوّلين لسلسلة دروس الإمام الخميني قدس سره في ولاية الفقيه،  قال لتلاميذه: فليحضر من استطاع في هذا الدرس فإنه سيُحدث نقطة عطف في تاريخ الإسلام.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

1ـ ما أسهل الإیمان بولایة الفقیه، ولکن بشرطها وشروطها

عندما نفتح موضوع ولایة الفقیه على البعض ونتکلم عن محتواه ومضمونه الرائع، أحیانا نجده قبل أن یفکر فی الموضوع و یهضم القضیة جیدا، یصطدم معنا بقائمة من الأسئلة، وعادة ما یفتتح استنکاره بهذا السؤال ویقول: وما الدلیل؟ وبعد ذلک قد یسرد أسئلته بغیة طمّ القضیة برمتها متسائلا: وکیف یمکن إطاعة غیر المعصوم؟ ثم حتى ولو جاز ذلک کیف نوقن بولایة هذا الرجل لا غیره من فطاحل العلماء والمراجع؟ ومن أنباک أن هذا الرجل نائب الإمام الحجة (عج)؟ وهل یمکن أن نسلک طریقا بلا حجة ودلیل ونؤمن بقول بلا استماع برهان و…؟

ولعلنا نقضی الساعات ونسهر اللیالی معه من أجل إثبات القضیة بالبراهین العقلیة والنقلیة والملفقّة باحثین عنها بین زوایا وهوامش الکتب الصفراء، ثم بعد کل هذا العناء یضرب کل ما سمعه عرض الجدار ویقول: لا شک فی أن کلامک وجیه ولطیف ولکن المسألة أعقد من هذا المستوى، کما فی المقابل هناک شبهات قویة لا یمکن ردّها بهذه البساطة، فالقضیة تحتاج إلى تحقیق أکثر وأعمق…!

ما المشکلة؟ هل إن براهیننا ضعیفة کما یزعمون؟ وهل الذین آمنوا بولایة الفقیه من دون خوض هذه الأبحاث ورکنوا إلى رایة الولایة باذلین دماءهم وأنفسهم، کانوا بسطاء سفهاء لم یألفوا منهج التحقیق ودراسة النظریات؟ وهل الذین لم یؤمنوا بولایة الفقیه قد عثروا على براهین أدقّ وأحکم من هذه البراهین فانتهجوا طریقا آخر؟

لیس الأمر شیئا من هذا، ولا داعی للتعب والتفتیش للحصول على براهین أعمق وأدقّ لنقنع عقول هؤلاء النوابغ الذین لن تخفى عنهم ثغرة فی برهان ولا مصادرة فی قیاس ولا أی اعوجاج فی دلیل.

القضیة هی أن جمیع الناس بلا استثناء، عندما یواجهون النظریات وحتى الأخبار والإشاعات لا یواجهونها بأذهان خالیة وأوعیة فارغة، إذ لا ینفکّ الإنسان عن خلفیات ذهنه ومشاعره. فعلى سبیل المثال عندما کان یعلن نبیّ بنبوته، کان البعض یسترّ ویستبشر بهذا الخبر ویوشک أن یؤمن به، فیقوم بتحقیق یسیر من أجل اطمئنان قلبه فقط، فیشتعل قلبه نورا بمشاهدة آیات الله وبیناته الواضحة الدالة على نبوة هذا الإنسان، ویوقن به یقینا لا یعتریه شک أبدا.

وأما الآخرون فیتلقون خبر نبوة هذا الإنسان کخبر سوء مزعج منذ البدایة، إذ یصعب علیهم الإیمان بأی نبی، فیتمنون أن یکون الخبر کذبا وادعاء الرجل افتراء. ثم تجدهم یتفوّهون بکلام مرتّب ملمّع محاولین إخفاء ما یجری فی قلبهم فیقولون: لا شک فی أن من ینال مقام النبوة یجب أن یؤید ببراهین واضحة لا یمکن إنکارها، وإلى الآن لم نشاهد هذه البراهین من هذا الرجل. أو یخاطبون نفس النبی ویقولون له: لم نراک إلا إنسانا کباقی الناس فإن کنت صادقا فی ادعائک وکنت نبیا حقا فأت ببرهان واضح؛ (ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآیَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقین‏) [شعراء: 154]

القضیة هی أن فی کل زمان هناک من یفتقد روح الولایة فی قلبه ویبذل کل جهده من أجل الخدش فی إعجاز الأنبیاء وإبطالها لیتخلص من ورطة الولایة، ولا زال أمثالهم موجودین.

الإنسان السلیم الذی لم یبتل بأمراض القلب ولم یسجن فی سجون النفس وزنزاناتها یجب أن یتمنى أن یقوده ولی وقائد، إذ لم یدع الله الناس فی یوم من الأیام بلا هاد وقائد، کما قال الإمام الصادق أو الباقر (ع): إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَدَعِ الْأَرْضَ بِغَیْرِ عَالِمٍ وَ لَوْ لَا ذَلِکَ لَمْ یُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. [الکافی1: 178] ومعنى ذلک هو أنه لم یستغن الإنسان فی تاریخه عن القائد ویدل ذلک على أن الله قد خلق الإنسان محتاجا إلى القائد وفطره على هذه الحاجة. فنظریة ولایة الفقیه جاءت لقضاء إحدى حوائج الإنسان الفطریة، فهی تقول یا أیها الناس أبشروا وافرحوا فکما أن الله سبحانه وتعالى لم یترک الناس فی یوم من الأیام بلا هاد وقائد کذلک الیوم لم یترک الأمة الإسلامیة وحدها، فهو قد أرسل لنا فقیها لنطیعه ونلتف حول رایته.

إن هذه النظریة جمیلة قبل أن تکون مستدلة ومبرهنة، ومن لم یر جمالها وحلاوتها لم یوفق للإیمان بها، ومن کان یتمنى بطلان هذه النظریة وخاض التحقیق فیها من أجل إبطالها لم یؤمن بها أبدا، لأنه یفتقد أهم شرط الإیمان بالولایة وهو روح الولایة والإطاعة. 



۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري