أحد البرامج الجذابة فی القنوات والفضائیات هی المسابقات، وخاصة المسابقات الحرکة التی لم تکتف بالسؤال والجواب وحسب، بل تعتمد على اختبار مهارات وقدرات وقابلیات المتسابقین، حیث عادة ما تتصف بالحیویّة والنشاط والحرکة، وتشدّ أنظار المشاهدین من خلال الدیکور والتصمیم الغریب والمفاجآت التی یواجهها المتسابقون أثناء سباقهم.

إن القاسم المشترک  بین هذه المسابقات هو العقبات الصعبة والمفاجآت التی یمرّ بها المتسابقون. فعلى سبیل المثال قد یقیّد المتسابقون و تکبّل أیدیهم أو تسدّ أعینهم حین أداء مهمّتهم، أو یؤمرون باجتیاز طریق عکر أو مزحلق أو متحرک، وقد یجبرون بالانغمار فی الطین مثلا أو الغوص فی الماء أو لمس بعض الحیوانات المرعبة ونحو ذلک. وعلى المتسابق أن یتحدّى کل هذه العقبات.

وبالرغم من کل هذه التحدّیات والعقبات الصعاب، نجد المتسابقین جمیعا مطمئنین مستبشرین وموطنین أنفسهم على خوض الغمرات واحتمال کلّ شیء فی سبیل الفوز.

وأما لو انزعج أحد المتسابقین واعترض على هذه الموانع والعقبات الموجودة فی المسابقة، فسیضحک علیه المخرج والمقدّم والمتفرجون والمشاهدون والناس أجمعون…

وشاهد المثال واضح؛ إن أجواء هذه الدنیا وتصمیمها ودیکورها وقوانینها وکل ما فیها مصمّم على أساس إجراء مسابقة بین الناس. ﴿إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زینَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَیُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا کهف/7. ولهذا قد امتلأت بمختلف العقبات والصعاب والشدائد والهزائز، لأنها لم تصمّم من أجل الراحة والاستقرار، بل من أجل التنافس والسباق.

ومن أهم الفوارق بین المؤمن وغیره، هو أن المؤمن یعلم حقیقة هذه الدنیا وموقعها ویعرف دوره الذی یجب أن یؤدیه فیها. هو یعرف أن هذه الدنیا مسابقة، ولهذا لا یهتزّ ولا یتفاجأ ولا یستوحش عند مواجهة المطبّات والعقبات والمشاکل، إذ یعرف جیدا أن کل هذه المشاکل من طبیعة أجواء السباق. إذا أصیب المؤمن بالفقر أو المرض أو بلاء آخر، یعرف أنه قد دخل مرحلة جدیدة من السباق، ویجب أن یجتاز هذه المرحلة ویستمرّ فی مثابرته مع هذه الظروف والقیود. ثمّ عندما تنتهی عقبة ویجتاز مرحلة، ینتظر  مجیء عقبة أعقد ومرحلة أعوص، و هذا ما تفرضه طبیعة المسابقات. فعندما تنزل النازلة ویواجه المشکلة، یزداد عزمه وإیمانه، إذ یجد أن کل الأحداث تطابق حساباته وتوافق الأخبار التی تلقاها من الله ورسوله؛ ﴿وَ لَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاَّ إیماناً وَ تَسْلیما الأحزاب/22.   

بینما غیر المؤمن الجاهل أو الغافل عن حقیقة الدنیا، یفتش عن آماله وراحته وسعادته المطلقة فی هذه الدنیا. ولا شکّ فی أن الإنسان الذی راح یبحث عن الاستقرار والراحة والدعة فی قاعة الامتحان وصالة المسابقة، لن یصل إلى ضالّته وسیحرم نفسه من الفرح والنشاط والبهجة التی یحظى بها أهل المغامرة والسباق.