لقد نسب إلى الرسول الأعظم صلى الله علیه وآله أنه قال: "اللهم أرنا الأشیاء کما هی" وقد انطلق الحکماء والعرفاء من هذا الدعاء إلى مختلف الأبحاث الفلسفیة والعرفانیة التی تهدف إلى معرفة الوجود ومعرفة الله سبحانه ومعرفة النفس والإنسان الکامل والعوالم المختلفة وغیرها من الحقائق.

ولعله یمکن القول بأن جمیع الانحرافات والضلالات العقدیة والعملیة والأخلاقیة ناجمة عن الخلل الحادث فی معرفة حقائق الأمور. ومن أهمّ الحقائق التی لابدّ أن تعرفها، هی حقیقة هذه الدنیا. ولهذا تجد عقلاء العالم قد أطالوا التفکیر فی حقیقة الدنیا (إِنَّ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّیْلِ وَ النَّهارِ لَآیاتٍ لِأُولِی الْأَلْباب‏ * الَّذینَ یَذْکُرُونَ اللَّهَ قِیاماً وَ قُعُوداً وَ عَلى‏ جُنُوبِهِمْ وَ یَتَفَکَّرُونَ فی‏ خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَکَ فَقِنا عَذابَ النَّار) آل عمران/190ـ 191

لقد عرف أولو الألباب أن هذه الدنیا وما شملته من السموات والأرض لم تخلق باطلا. ولو کانت هی الهدف والغایة وکانت هی آخر المطاف لکان خلقها باطلا، وسبحان الله عن خلق شیء باطلا، فانتقلوا بتفکّرهم هذا من هذه الدنیا إلى ذکر ما بعد الدنیا؛ (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَکَ فَقِنا عَذابَ النَّار).

إن هذا الجهد الفکری والعملی هو خلاصة حیاة أولی الألباب فی هذه الدنیا. حیث إنهم أیقنوا أنها محل عبور وسوق تجارة وقاعة امتحان وساحة سباق وأرض زراعة وساحة تمرین وبجملة واحدة لیست بدار قرار، بل هی مقدمة وطریق إلى دار القرار.

ولا شکّ فی أن الإنسان بطبیعته لا یصبّ کل اهتمامه بالمراحل الانتقالیة العابرة، بل ینتقل منها بفکره وقلبه إلى ما هو ثابت ودائم.