إنها عملیّة مدبّرة

إن کثیرا من برامج الکامرة الخفیة تنطوی على خطة إزعاج الناس عبر مشهد مختلق مدبّر. فقد یعتدی ممثل البرنامج على من یعثر علیه، أو یستفزّه بإساءة أو یزعجه بسلوکه… ثم یقف المخرج والجمهور متفرجین لیختبروا ردّ فعل الناس تجاه عمل هذا الإنسان الغثیث. وکثیرا ما نجد من تقوم قیامته ویمتلئ غیضا وغضبا على هذا الممثل المسکین وتکاد القضیة أن تصل إلى عراک ونزاع شدید… ولکن بمجرد أن یشیر الممثل إلى الکامرة الخفیة ویقول له مبتسما: "أنت أمام الکامرة الخفیة" ینتهی النزاع تماما وتظهر البسمة على شفاه هذا الإنسان وتعبر القضیة بسلامات.

یبدو من خلال هذه الظاهرة أن الإنسان یغضب من خلال الإزعاج غیر المدروس والمدبّر، لکن إن جاء أحد وهیأ ودبّر موقفا مزعجا وغیر مریح لیمتحن ویدرس ردود أفعال الناس تجاه هذا الأمر، فهذا عمل لا بأس به ویمکن التغاضی عنه بکل سهولة.

الواقع هو أننا أمام کامرة خفیة ثابتة، وکل ما یحدث فی العالم إنما یتمّ ضمن خطة وبرنامج، وهو غیر خارج عن الإخراج الإلهی. نحن نؤمن بالاختیار ولکن لا نؤمن بالتفویض التام، فلا یتمّ شیء ولا یتحقق أمر ولا یسیء أحد إلى أحد إلا بإمضاء الله وإذنه، أو قل بإخراجه. فالله سبحانه هو الذی قد سمح لبعض الناس أن یسیئوا إلینا ویزعجونا لیختبر أخلاقنا وأعصابنا فی أمثال هذه المواقف. وبالتأکید سوف یعاقب ذاک المسیء أیضا.

شاء الله سبحانه وتعالى أن لا یجعل الناس فی درجة واحدة من العلم والقدرة والقابلیة والذوق والصحة والکمال والجمال وباقی المواهب، بل فضل بعضا على بعض. فوفّر من خلال هذه الخطّة، أرضیة الصراع والنزاع والاختلاف والاصطدام، کما أنه قد هیّأ فی نفس الوقت فرصة الإیثار والمواساة والرحمة والسلوک إلى الکمال.

فالحقیقة أن هذه المواقف إنما هی عملیّات مدبرة من قبل الله سبحانه وتعالى بغرض اختبار مدى التزامنا بالقیم الإلهیة. (وَ هُوَ الَّذی جَعَلَکُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَ رَفَعَ بَعْضَکُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِیَبْلُوَکُمْ فی‏ ما آتاکُم‏) [الأنعام: 165]