1ـ کان أئمة أهل البیت (علیهم السلام) قد یجدون بعض الظروف والمواقف التی إذا تکلموا فیها یخلد حدیثهم فی التاریخ. ولو کان المقدّر أن لا یبقى من کلامهم وتراثهم شیء سوى حدیث واحد أو خطبة واحدة، لکان ذلک الکلام هو هذا الذی نطق به فی هذا الظرف الحساس. فعلى سبیل المثال لو کان القرار أن لا یبقى حدیث من الرسول (صلى الله علیه وآله) سوى حدیث واحد، لکان ذلک الحدیث خطبته یوم الغدیر، باعتبار أن الظروف کانت استثنائیة وقد توفرت کل العوامل الإعلامیة لخدمة خطبة الغدیر. أو من قبیل حدیث سلسلة الذهب للإمام الرضا (علیه السلام) الذی ألقاه فی نیسابور وکان الکتّاب وأهل المحابر فی ذلک الیوم أکثر من عشرین ألف رجل. [السید المرعشی، شرح إحقاق الحق، ج12، ص388] ولا شک فی أن الحکمة تقتضی أن لا یضیّع أهل البیت (علیهم السلام) هذه الفرصة بکلام غیر مهمّ، وهذا الذی تحقق فعلا، إذن من الطبیعی أن یهتمّ الإنسان بهذه الأحادیث أشد اهتمام.

ومن أهم هذه الحالات الاستثنائیة التی من شأنها أن تخلّد کلام الإنسان، کلامه فی فراش الموت وفی ساعة الاحتضار، إذ فی هذه اللحظة یتلهف أهل المرء إلى استماع حدیثه والعمل بوصیته، وإذا بالإمام الصادق (علیه السلام) قد اختار موضوع الصلاة والاستخفاف بالصلاة.

عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَمِیدَةَ أُعَزِّیهَا بِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع فَبَکَتْ وَ بَکَیْتُ لِبُکَائِهَا ثُمَّ قَالَتْ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَیْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عِنْدَ الْمَوْتِ لَرَأَیْتَ عَجَباً فَتَحَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ اجْمَعُوا کُلَّ مَنْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ قَرَابَةٌ قَالَتْ فَمَا تَرَکْنَا أَحَداً إِلَّا جَمَعْنَاهُ فَنَظَرَ إِلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ شَفَاعَتَنَا لَا تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلَاة. [وسائل الشیعة4: 26]

وقد رویت بطریقة أخرى عن نفس أبی بصیر حیث روى عن أبی الحسن، یعنی الإمام الکاظم (علیه السلام) إنه لما احتُضر أبی قال لی یا بنیّ لا ینال شفاعتنا من استخف بالصلاة. [الکافی3: 270]

کما أن النبی (صلى الله علیه وآله) قد أوصى بهذه الوصیة عند وفاته:

عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: لا تتهاون بصلاتک فإن النبی قال عند موته لیس منی من استخفّ بصلاته. [الکافی3: 269]

2ـ یبدو من ظاهر هذه الروایات أن الإمام أو النبیّ لا یخاطب تارکی الصلاة وحسب، إذ لیس المصداق الوحید للاستخفاف بالصلاة ترک الصلاة، بل یمکن أن یکون الإنسان مصلیا ومواظبا على صلاته ولکنه یحسب مستخفا بها، کما أشار القرآن إلى ذلک حیث یقول: (فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ * الَّذینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون: 4، 5] وبالتالی یحرم شفاعة أهل البیت (علیهم السلام). ولا نتوهم أن یمکن لأحد أن یدخل الجنة بلا شفاعة أهل البیت (علیهم السلام). [الإمام الخمینی، چهل حدیث428]

اسمعوا هذه الروایة المخیفة. عَنِ الْعِیصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَیَأْتِی عَلَى الرَّجُلِ خَمْسُونَ سَنَةً وَ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً وَاحِدَةً فَأَیُّ شَیْ‏ءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا وَ اللَّهِ إِنَّکُمْ لَتَعْرِفُونَ مِنْ جِیرَانِکُمْ وَ أَصْحَابِکُمْ مَنْ لَوْ کَانَ یُصَلِّی لِبَعْضِکُمْ مَا قَبِلَهَا مِنْهُ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهَا إِنَّ اللَّهَ لَا یَقْبَلُ إِلَّا الْحَسَنَ فَکَیْفَ یَقْبَلُ مَا یُسْتَخَفُّ بِه. [وسائل الشیعة4: 24] من خلال هذه الروایة نفهم أن الإنسان لا ینجو من الاستخفاف بالصلاة بمجّرد أدائها…

3ـ إن مفهوم الاهتمام بالصلاة الذی هو فی مقابل الاستخفاف بالصلاة مفهوم کیفی، یعنی  قد یفسّر بعدّة تفاسیر، أو قد لا یفهم المقصود منه تماما، فینبغی أن نبدله إلى مفاهیم ملموسة أکثر، وهذا هو المنهج الذی یعتمده المحققون الیوم فی تقییم المفاهیم الکیفیة. من قبیل مفهوم التطور أو التنمیة، فإذا أرادوا أن یقیسوا مدى تطور البلد فی التنمیة البشریة مثلا، لا یأتون إلى هذا العنوان مباشرة، بل یحللون هذا المفهوم الکیفی إلى مجموعة من المفاهیم الکمیّة الواضحة التی لا تحتمل تفاسیر متعددة. وبعبارة أخرى یحدّدون مجموعة من المؤشرات لتقییم التنمیة البشریة فی البلد. ما هی هذه المؤشرات؟ مستوى الدخل، طول الحیاة الصحیة فی البلد، تنمیة القدرات الإنسانیة من خلال توفیر فرص التعلیم، النموّ الاقتصادی مثلا وهکذا. فکل هذه المؤشرات هی مفاهیم کمیّة واضحة.

طبعا هذه طریقة جیدة ومعترف بها فی الإسلام. إذ هناک کم هائل من الروایات التی تفسّر المفاهیم الکیفیّة التی فیها بعض الغموض وتحللها إلى مفاهیم أوضح. هکذا لابد أن نتعامل مع المفاهیم الدینیة.

4ـ طیب، لنجعل بعض المؤشرات للاهتمام بالصلاة، وبالتالی نکشف مدى اهتمامنا واستخفافنا بالصلاة. طبعا لیس المقصود من ذکر المؤشرات التالیة هو البتّ فی أن من یفتقد هذه المؤشرات فهو مستخف بالصلاة وبالتالی فیحرم شفاعة أهل البیت (علیهم السلام) وسوف یخلد فی النار! کما لا أستطیع أن أقطع بأن المقصود من المستخف بالصلاة فی هذه الروایة هو الفاقد للمؤشرات التالیة.

[هناک قضیة لابد أن نلتفت إلیها وهی أن من شأن بعض الذنوب أن تدخل الإنسان فی النار ومن جملتها السفور أو ترک الصلاة، ولکن لا ینبغی أن نحکم على فلان إنسان أو فلان امرأة ونقول بأنهم فی النار قطعا. لأن هذا غیر معلوم…]

أ. کم نفکر فی أداء صلاة جیدة؟

الإنسان الذی یهتمّ بصلاته یفکر فیها دائما. هذه طبیعة الناس حیث یشغلون ذهنهم بما اهتموا به، فإن تجد أحدا لا یفکّر بشیء یعنی أنه لا یهتمّ به. فإذا کنا نصلّی ومواظبین على الصلاة ولکننا لا نفکر فی باقی الأوقات فی صلاتنا هذا یدلّ على أننا قد جعلنا الصلاة فی سلة الأعمال غیر المهمّة.

انظروا إلى لاعبی کرة القدم، کیف تکون حیاتهم؟ من المؤکد أنهم یفکرون فی اللعب ویتذکرون لقطات لعبهم لیلا ونهارا. وهکذا حال التاجر فی السوق وصاحب المعمل والفنّان وغیرهم. هذا حال من اهتمّ بشیء. فکیف نحسب أنفسنا مهتمّین بالصلاة مع أننا لا نفکر فیها فی باقی أوقات الیوم. یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) "من اهتم بشیء أکثر ذکره." [مستدرک الوسائل13: 142].

ما معنى التفکیر فی الصلاة؟

یعنی مثلا نخطط لحفظ حضور القلب فی الصلاة، أو نحاول أن نقنع أنفسنا على أداء الصلاة فی أول وقتها، هذا نوع من التفکیر، أو نسعى لکشف بعض المعانی والتداعیات من أجل الاستئناس بأذکار الصلاة، وهکذا… هذا هو المقصود من التفکیر.

ب. کم نتمنى أن نوفق لأداء صلاة راقیة؟

التمنی من طبائع الإنسان، وکل الناس یصرفون أمنیاتهم فی ما یهتمون به، ولهذا أمرنا أن لا نجعل آمالنا فی الدنیا، إذ لا ینبغی للإنسان أن یصبّ کل اهتمامه فی الدنیا. أما إذا اهتمّ بشیء فلا مناص من صرف بعض آماله فیه. إذن من المفترض أن تکون بعض آمال الإنسان المهتمّ بالصلاة هو أن یأمل ویتمنى التوفیق لأداء صلاة مع حضور قلب کامل وخشیة وخشوع وبکاء…

نحن نخاطب الله فی آخر دعاء کمیل ونقول له: "وبلغنی منای ولا تقطع من فضلک رجائی" فإذا أراد الله أن یستجیب لنا هذا الدعاء، ینظر إلى قلبنا لیستعرض قائمة الأمنیات التی قد ثبتناها فی قلبنا، فلیس من الجمیل أن یجد کل آمالنا فی المسائل الدنیویة ولیست لدینا أی أمنیة فی الصلاة والعبادة.

 

ج. کم نراقب أنفسنا أثناء الصلاة؟

أیضا هذا مؤشر مهمّ یدل على مدى اهتمام الإنسان بصلاته. هکذا نجد طبیعة الناس. فتجدهم یبذلون أشدّ الاهتمام والحرص والدقة أثناء أداء أعمالهم المهمة. کالتجارة مثلا، أو الحضور فی جلسة الامتحان، أو أثناء المباراة…

د. المؤشر الرابع على الاهتمام بالصلاة، هو الشعور بالأسف والحزن بعد أداء صلاة تعبانة.

لا ینبغی أن یقول الإنسان بأنی عملت بما استطعت من أجل أداء صلاة جیدة، والآن فقد عملت بتکلیفی… لا… لماذا؟ لأن عموم الناس لا یتعاملون بهذا الأسلوب مع مسائلهم المهمة. الناس یتأسفون من عدم توفیقهم فی أعمالهم. یجب أن یکون حال المصلی بعد أداء صلاته ساهیا وغافلا، مثل الحال اللاعب الذی لم یهدّف فی البنرتی، أو کالصیاد الذی وجد صیدا بعد ساعات من التعب والبحث، ورمى السهم ولم یصب. کیف یتأسف ویحزن هذا الإنسان؟ ینبغی أن نتأسف مثله.

هـ. المؤشر الأخیر هو أن ندعو ونسأل الله أن یوفقنا لأداء صلاة حسنة مع حضور القلب و یصلح صلواتنا السابقة أیضا.

نحن محدودون فی أعمالنا، ولکن لسنا محدودین فی الدعاء. الدعاء هو جناح أعطاه الله للإنسان لیحلّق به حیث ما شاء. الدعاء یحکی عن مدى کبر شخصیة الإنسان.

إن الله سبحانه وتعالى سوف یطلق عنان الإنسان المسلم فی الجنان ویقول له اذهب حیث ما ترید، فیحمد أهل الجنة ربهم على هذه النعمة ویقولون: (وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلین‏) [الزمر: 74] ولکن لم ینطلق کل الناس إلى أعلى علیین؛ إلى الدرجات الرفیعة فی الجنان، بل سیکتفی کل إنسان بشأنه وقدره مع أنه هو حر فی الذهاب إلى أی مکان.

قد نتعجب ونقول: کیف یمکن؟

لماذا لا یمکن مولانا؟ نستطیع أن نجد هذه الظاهرة فی هذه الحیاة الدنیا. حیث إن الله قد سمح للناس بأن یدعوه ویسألوه کل شیء من دون أن یأخذوا بنظر الاعتبار مستوى أعمالهم واستحقاقهم، ولکن أکثر الناس إما غافلون عن أصل الدعاء وإما یکتفون فی أدعیتهم بالقلیل البسیط…

لعلنا فی یوم القیامة نرى أن بعض أصدقائنا ورفقاءنا قد کسبوا مقاما رفیعا جدا أکثر من مستوى أعمالهم وعباداتهم، فنظن أن قد حصل اشتباه فی ملفات أعمال الناس، وإذا بعد السؤال عن السبب، یتبین أن أدعیته کانت رفیعة جدا. سوف یرى الناس هناک أن الله کان صادقا فی قوله (ادعونی استجب لکم).

أنظروا إلى هذه الروایة العظیمة. طبعا کان من المفروض أن آخذ من کل واحد 10000 دینار حتى أقرأ علیه هذه الروایة.

قال رَسُولُ اللَّهِ ص یَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلَانِ کَانَا یَعْمَلَانِ عَمَلًا وَاحِداً فَیَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوْقَهُ فَیَقُولُ یَا رَبِّ بِمَا أَعْطَیْتَهُ وَ کَانَ عَمَلُنَا وَاحِداً فَیَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلَنِی وَ لَمْ تَسْأَلْنِی ثُمَّ قَالَ سَلُوا اللَّهَ وَ أَجْزِلُوا فَإِنَّهُ لَا یَتَعَاظَمُهُ شَیْ‏ءٌ. [وسائل الشیعة7: 24]