من أفضل السباقات والمنافسات فی هذا العالم هو أن نتسابق مع بعضنا فی أن نکون حسینیین وأن نتحلىّ بصفات الحسینیّ الأصیل.

والأهم من ذلک هو أن نعرف خصائص الحسینی الحقیقی لنجعلها ملاکا ومعیارا فی تقییم أنفسنا على أساس هذا المقیاس. إذ عندما ننزل إلى المجتمع قد نواجه بعض المعاییر التی قد تعتبر مسائل هامشیة وبعیدة عن هدف الحسین الرئیس فی حرکته وثورته.

إن إقامة المآتم ومجالس العزاء على الحسین (علیه السلام) من أهم وأفضل ما یمکن أن نقوم به فی محرّم، ولکن لیس کل من أقام المجالس والهیئات حسینیا.

کما أن صرف الأموال فی سبیل الحسین (علیه السلام) وطبخ التمّن والقیمة عمل حسن بلا أی شکّ وریب، وجزا الله الباذلین والطابخین والصابّین والموّزعین خیر جزاء، إلّا أنه لیس هذا العمل حاسما فی تعیین الحسینیّ الأصیل.

وکذلک الأمر بالنسبة إلى الخطابة وصعود المنبر وإلقاء القصائد واللطمیات والحضور فی المجالس ولبس السواد ونصب السواد واللطم وحتى البکاء…، فإن کلّها أعمال عظیمة ومأجورة إن أدّیت بالشکل الصحیح ولکنها لیست المعیار الأخیر والحاسم فی تشخیص الإنسان الحسینیّ. إذن ما هو المعیار؟!

عندما نهض الحسین (علیه السلام) بدأ بمشروع عالمیّ مستقبلیّ واستنصر المسلمین لیعینوه على إنجاز المشروع، بید أنه قد شرط شرطا فی قبول النصرة وقال منذ انطلاقته: " من کان باذلا فینا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فلیرحل معنا" [اللهوف، ص60] هذا کان شرط الحسین (علیه السلام) فی قبول الأنصار، وهذا هو المعیار الأصیل فی تمییز الحسینیّ عن غیره.

فالحسینیّ الحقیقی هو الذی عرف أهداف ثورة الحسین ( علیه السلام) فی هذا الزمان وشخّص ما یریده الإمام من المسلمین فی هذا العصر واستعدّ للشهادة وبذل النفس والنفیس دون هذا الهدف، فشتّان بین بکاء هذا الإنسان ولطمه على سید الشهداء (علیه السلام) وبین من شغلته سمعة موکبه وهیئته عن أهداف الحسین (علیه السلام).

بقدر ما اقتربت مجالسنا من أهداف الإمام الحسین (علیه السلام) وحاولت أن تشحن الناس غضبا على أعداء الإسلام وعشقا للشهادة فی سبیل الإسلام، یمکن أن نعتبرها حسینیة وعلى خطّ الحسین (علیه السلام).

لقد أخذ الحسین (علیه السلام) بید القاسم وجاء به إلى کربلاء لیَسمع العالم کله أن الموت عند هذا الصبیّ أحلى من العسل وکان کل قلقه لیلة العاشر من محرّم هو أنه هل سینال غایة أمله ویتشحط بدمه بین یدیّ أبی عبد الله أم لا؟ أما إذا نسینا الأهداف السامیة من ثورة الحسین (علیه السلام) قد یصل بنا الأمر إلى أن نجعل من القاسم رمزا ومثالا للشابّ الخائب المسکین الذی کان کل همّه الزواج مع خطیبته، فحال الموت بینه وبین آماله!