إن أکثر المراکز التعلیمیة والتدریبیة والتربویة التی تستقطب عددا من العناصر أو الطلاب ونحو ذلک قد وضعت مجموعة من الأهداف أمامها لتصبو إلیها وتحاول أن تأخذ بید عناصرها إلى تلک الأهداف. کالجامعة التی تهدف إلى تخریج کوادر کفوءة فی مختلف التخصصات اللازمة لبناء البلد، أو المعاهد الفنیة التی تسعى لتعلیم الفن والمهن للطلاب. إن هذه المؤسسات والمدارس والمعاهد ومن أجل الوصول إلى أهدافها تضع برنامجا ثابتا ومن خلاله تسعى لتحقیق الأهداف.

الأسلوب الذی تعتمده أکثر المؤسسات والمدارس والجامعات هو أن لا تکتفی بنظامها الرتیب الیومی ولا تعتبره کافیا فی إنجاز ما تطمح إلیه، بل ترفق إلى جانبه بعض الدورات والمخیمات التأهیلیة للطلاب والعناصر، وذلک من أجل أن تساعد العناصر لتحقیق الأهداف التی لا یمکن الوصول إلیها عبر ذلک النظام الرتیب.

لا ننس أن هذه الدنیا عبارة عن معهد تعلیم ومرکز تدریب هیأه الله سبحانه وتعالى للإنسان لیطوّر ذاته ویکسب الفضائل ویتحلّى بالقیم الإلهیة. فأعد الله برنامجا واسعا شاملا للإنسان لیمشی على أساسه ویترقّى بموجبه. لکن یبدو أنّ الله سبحانه لم یکتف أیضا بالبرنامج الروتینی الیومی للإنسان ولهذا نجده أعدّ بعض الدورات والمخیّمات المکثفة للإنسان، من قبیل شهر رمضان الذی یمثل الدورة المکثّفة، وکذلک الحجّ الذی عبارة عن مخیم رائع لتدریب الإنسان على العبودیة.

وأما هذا الموسم (محرم وصفر) الذی نعیشه ونحییه بالمجالس والمآتم فلابد أیضا أن نعتبره دورة مکثفة لتأخذ بید الإنسان إلى أهداف لا تدرک إلا عن طریق البکاء وإقامة العزاء على الحسین (علیه السلام) وإشاعة ثقافة کربلاء.

إن هذه الرؤیة إلى محرم وصفر وموسم عزاء أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) تشحن الإنسان وتدفعه لأداء دور فعال فی هذه الأیام، إذ سوف لا ینظر إلى قضیة الحسین (علیه السلام) کقصة وتاریخ لا أثر لها سوى الثواب، بل یجدها طاقة حراریة ومحرّکا للفرد والمجتمع فی حیاته وحرکته الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة والجهادیة وفی جمیع مجالات التطور والکمال.