عندما یوجب الله سبحانه وتعالى عملا معینا أو یندب إلى أداء عمل خاص، عادة ما یکتفی بإعطاء الحکم وبیان شیء یسیر من فوائده وحسب. وکذلک الحال بالنسبة إلى أسلوب أهل البیت (علیهم السلام) فی الکلام عن العبادات والواجبات والمستحبات، إذ لا یکشفون آثار العمل وحقیقته تماما، بل یکتفون ببعض الإشارات لا أکثر.

أضرب مثالا؛ من المؤکد أن الله سبحانه وتعالى قد أعدّ مجموعة کبیرة من الأهداف السامیة للإنسان، ثم بدأ بتصمیم کیفیة الصلاة بحیث تأخذ بید الإنسان إلى تلک الأهداف، ولکن لم یکشف الله تلک الغایات بتمامها ولم یطلع الناس على تفاصیل العلاقة بین أعمال وأذکار الصلاة وتلک الغایات. نعم، لقد قال سبحانه: (وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَر) [العنکبوت: 45] ولکن تبقى التفاصیل مستورة لا یعلمها أحد. إذ لا یشرح سبحانه کیفیة تأثیر الصلاة على استئصال بعض الرذائل الأخلاقیة، أو کیفیة تأثیرها على ارتقاء أخلاق الإنسان، أو طریقة عملها على تکوین ملکة الورع والتقوى فی روح الإنسان، أو مدى تأثیرها على الرزق والصحة فی هذه الدنیا وما هی علاقتها على الأحوال الجویة والبیئیة ونزول الأمطار وغزارة الأنهار و  فیبدو أن الله أراد أن نعیش هذا الغموض أثناء عملنا بالإسلام، ولعل السبب هو أنه أراد أن یؤدی الإنسان هذه العبادات بدافع الطاعة والاعتماد على الله.

ومن أبرز مصادیق الأعمال العظیمة التی لا نستطیع أن نعرف آثارها جیدا، ولا ندری ماذا رتّب الله علیها من آثار، هو ذکر مصائب الحسین والبکاء على الحسین (علیه السلام). یفهم من بعض الروایات أن قضیة الحسین مشروع لحفظ الإسلام وإن مجالس الحسین وظاهرة العزاء والبکاء على الحسین إنما هی استمرار وامتداد لتلک الثورة التی فجرها الحسین بدمائه. إن الثواب الذی أعده الله سبحانه لأی عمل مرتبط بقضیة الحسین عجیب غریب. وکل هذا یشیر إلى أن إحیاء قضیة الحسین عمل عظیم لا تحصى أبعاده وآثاره وبرکاته.

إن هذه الرؤیة تزید الإنسان تواضعا فی مجالس الحسین کما تزیده بصیرة تجاه هذه المدرسة العظیمة. سوف یعلم بهذه الرؤیة أن موسم محرم وصفر لیس موسما لکسب الثواب فقط، بل هو مدرسة تعطی کل ما یحتاجه الإنسان فی مسیره نحو الله، من البصیرة والشجاعة والصبر والإیثار والعزم والعبادة والرحمة وجمیع مکارم الأخلاق. هذا هو أثر البکاء على الحسین (علیه السلام) على سبیل الإجمال، وأما تفصیل الأمر وحقیقته فهو سرّ لا یعلمه إلا الله.