لیت کنا نستطیع أن نلتقی بقتلة الحسین (علیه السلام) من أهل الکوفة ونسألهم هل کنتم تحتملون أن تتورطوا بهذه الجریمة البشعة؟ من المؤکد أنهم لم یکونوا یتوقعون أن یسفّوا إلى هذا المستوى من الحضیض والانحطاط، وذلک لأن أهل الکوفة هم الذین أرسلوا عشرات الآلاف من الرسائل للإمام وأعدّوا أنفسهم لنصرته، وهم الذین سبقوا باقی الأقوام والشعوب فی الاستعداد لنصرة الحسین (علیه السلام) وهم الذین دعوا الإمام وراحوا ینتظرونه لیل نهار. هذا کان حال أهل الکوفة عندما انطلق الحسین (علیه السلام) لمواجهة یزید. فهل کانوا یتوقعون بأنهم سیؤدون الدور الرئیس فی جریمة قتل الحسین (علیه السلام)؟! بالتأکید کلا.

لا نرید أن ندخل فی تفاصیل الموضوع ونبحث فی أسباب هذا الحدث والانحطاط ولکن الحقیقة الواضحة التی قد تبلورت جلیا فی هذه الواقعة ولابد أن نجعلها نصب أعیننا هی أن مجال السقوط مفتوح إلى هذه الدرجة. ولعل هذه الحقیقة تمثل أهمّ عبرة من عبر معرکة کربلاء.

إن واقعة کربلاء تبیّن أنه یمکن لأمة لها سابقة فی الإیمان والإسلام أن تهوی وتسقط عن مکانتها وتصبح مثلا یضرب بها فی سوء العاقبة. کما یمکن ذلک للفرد أیضا فقد أشار القرآن الکریم إلى نماذج من الأفراد الذین ساءت عاقبتهم وأصبحوا مثلا لسوء العاقبة وعلى رأسهم إبلیس اللعین الذی حبطت أعماله بعد ستة آلاف سنة قضاها فی العبادة والإطاعة، فأحبط عمله الطویل وجهده الجهید عن کبر ساعة وأصبح رجیما ولعینا إلى أبد الآبدین. 

ومن جانب آخر إن واقعة کربلاء تمثل مشهدا تجلت فیه أروع صور الهدایة والتوبة وحسن العاقبة. إن قصصها وأحداثها خیر شاهد على غایة حلم الله وسعة رحمته. لقد أتم الحرّ وزهیر بن القین وغیرهم الحجة على کل المذنبین والمبتعدین عن درب الحقّ فی أن الله تواب رحیم وقد فتح مجال الارتقاء والتحلیق فی الدرجات العلیا لکل الناس، حتى لمن تورط بظلم الحسین (علیه السلام).