لقد انطوت قصص القرآن أو تاریخ الأنبیاء والأولیاء على قاسم مشترک وهو انقسام الأمم والناس إلى أهل الحق وأهل الباطل، وعادة ما یکون أهل الباطل هم الأکثریة الساحقة وأهل الحق ثلة قلیلة مضطهدة… ألیس کذلک؟

عندما نستذکر هذه القصص والمقاطع التاریخیة قد نحاول أحیانا أن نتصور أنفسنا فی ذلک الموقف لنرى إلى أیّ الفریقین کنا نمیل لو عشنا تلک الظروف وتلک الواقعة. فقد نسأل أنفسنا وهو نعم السؤال أن ما کنا نفعل لو کنا فی زمن أصحاب الکهف وتعرفنا علیهم قبل اعتزالهم وهجرتهم، وما کنا نعمل لو کنا فی زمن نوح (ع) ودعانا إلى رکوب السفینة. وما کان موقفنا لو عشنا فی زمن أحد الأنبیاء من عاد وثمود ولوط وشعیب وغیرهم إذ یدعون أقوامهم ولا یؤمن بهم إلا الأندر من الناس. وما کنا نفعل لو کنا حاضرین فی جلسة إنذار الأقربین ونرى أن رجلا یدّعی النبوة وأقبل یوصی بولایة ابن عمه ولم یؤمن به أحد من کبار القوم ووجهاء العشیرة بعد؟ وما لو کنا فی الکوفة إذ تخلى الناس عن مسلم وتفرّق الجمع من حوله وأصبح وحیدا غریبا بلا معین ونصیر والوالی قد استعمل أنواع القمع والتهدید لإرعاب الناس من نصرة الإمام الحسین؟…

والأهم من السؤال أسلوب الإجابة عنه. إذ تجد بعض الناس یواجه نفسه بهذه الأسئلة ولکنه بمجرد أن یرجع إلى نفسه ویجد حبّ الأنبیاء والأولیاء وأصحاب الحق فی قلبه، یأخذ راحته ویطمئن قلبه ویعتبر نفسه فی عداد سلمان وأبی ذر…! قد یکون منهم ولکن لیس هذا بالأسلوب الصحیح فی الإجابة.

یجب أن ندرس خصائص أهل الحق وصفاتهم لنکتشف السبب فی فلاحهم ودخولهم فی زمرة أهل الحق. یجب أن ندرس صفات أصحاب الکهف وأتباع الأنبیاء وأصحاب النبی وأمیر المؤمنین والإمام الحسین (علیهم السلام) وجمیع أصحاب الحق فی التاریخ لنرى ما هی الصفات والخصائص التی امتازوا بها عن باقی الناس ورفعتهم إلى هذا المقام، وهل نملک هذه الصفات والخصائص؟

یجب أن نرى لماذا رغب أکثر الناس عن الحق وما هی الصعاب والشدائد التی تواجه أهل الحقّ فی هذا الدرب.

فهل یستطیع من جعل همّه إرضاء الناس واتباع ما یسلکه الناس أن یصاحب فتیة أهل الکهف؟ وهل یمکن مصاحبتهم من دون التحرر عن التعلق بالأهل والأولاد؟ وهل یقدر من یخشى استهزاء الآخرین ویحسب لکلام الناس ألف حساب أن یرکب سفینة نوح مع أن القرآن یقول (وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّما مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْه‏) [هود: 38] وهل یطیق اتباع حرکة الأنبیاء وقد استُهزئ بجمیعهم (یا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما یَأْتیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُن‏) [یس: 30] وهل یمکن لمن لم یقلع جذور العصبیة القبلیة والعشائریة من قلبه أن یعشق أمیر المؤمنین ویتّبع نهجه وقد قتل أقربائه وإخوانه فی الحروب؟ وهل یستطیع من تعوّد التکبر على الشباب والصغار أن یخضع لولایة الأنبیاء والأوصیاء إن کانوا أصغر منه سنا؟ وکیف یتبع حجج الله ویخضع لولایتهم من ابتلى بحسد الأخیار وأصحاب الفضل والعلم؟…

فإن کان اتباع الأنبیاء وسلوک درب الحق بحاجة إلى التضحیات والمغامرات ولم یعتنق الحق إلا من تحلّى بصفات عالیة ونادرة، فلا یمکن اتباع هذا النهج فی هذا الیوم بالولائم والعزائم وحیاة الراحة والدعة. وإن کانت التضحیة بالمال والنفس والسمعة ثمن اتباع الحق فی زمن الأنبیاء، فلا یمکن أن یتغیر هذا السعر وینزل إلى مستوى الحضور بالمجالس والفواتح دون أی شیء آخر. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَریب‏) [البقرة: 214]