لا شک فی أن سلوک درب الحق بحاجة إلى نور ولولاه لما أمکن للإنسان أن یخطو إلى الکمال. والنور الذی یحتاجه الإنسان هنا لیس نور المصباح أو الفانوس، بل هو نور الإیمان ونور البصیرة ونور الهدایة… وسوف تتجلى هذه الحاجة یوم القیامة إذ یشعر الإنسان یومئذ بالحاجة الماسّة إلى النور، ولکن غیر المؤمن محروم، باعتباره لم یشعل هذا النور فی حیاته الدنیویة، فیصبح مظلما هناک لا یهتدی إلى سبیل. ثم یضطر إلى أن یسأل المؤمنین شیئا من النور، ولکن لا یجد أحدا یعطف علیه بقبس؛ (یَوْمَ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذینَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قیلَ ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحدید: 13] 
الإیمان الضعیف یحکی عن وجود نور ضعیف، والإیمان القویّ یدلّ على النور القویّ. وکلما ازداد نور الإنسان تزداد بصیرته فی کشف الحقائق، کشأن النور المادی والطبیعی الذی کلما یزداد قوة، یمکّن الإنسان من مشاهدة الأشیاء الأصغر والأبعد.
قد لا یمکن تشخیص مقدار نور الأشخاص فی الظروف العادیّة، ولکن عندما تأتی الفتن ویشتدّ الامتحان یتّضح صاحب النور عن غیره. فکل هذه المصائب من زلّة القدم والشکّ فی الحقّ والجهل بالتکلیف وعدم التمییز بین الحقّ والباطل وبین العدو والصدیق وغیرها من الزلات نتیجة عدم وجود النور الکافی فی قلب الإنسان. إذ هناک بعض الحقائق لا یمکن إدراکها إلا بهذا النور، فهی خفیّة عن الإنسان المظلم حتى ولو قرأ الصحف کلها واستمع إلى الفضائیات بأجمعها وختم کتب العالم من أولها إلى آخرها وحصّل على ستین شهادة علیا. لا یفید مولانا
وأما السبیل إلى ازدیاد النور فمفتوح، وهو أن تؤمن بالحق کلما واجهت أحد مصادیقه فی حیاتک. فحاول أن لا تنکر کلمة الحق أینما وجدت وکیفما کانت، یشتدّ نور قلبک لا محالة. وهذه حقیقة تقدمها لنا قصة فتیة أهل الکهف، إذ هکذا عرفهم الله فی بدایة القصة قائلا: (إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً) [الکهف: 13] فطوبى لمن جعل هدفه الرئیس توفیر النور بدلا عن تجمیع المال وتکویم المعلومات.