قد لا یتفق الناس جمیعا على الإیمان بالمعاد والآخرة، إذ هناک من ینکر المعاد ویکفر به، ولهذا لم یهدف جمیع الناس إلى نیل سعادة الآخرة. کما أن الکثیر من الناس باتوا لا یبالون بالآخرة بسبب ضعف إیمانهم فجعلوا الدنیا کل همّهم وغمّهم ولا یفکرّون إلا بسعادة الدنیا. ومن جانب آخر، لا یفکر المؤمنون بسعادة الآخرة وحسب، بل یطلبون سعادة الدنیا أیضا (ُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّار) [البقرة: 201] فسعادة الدنیا تمثل القاسم المشترک بین أهداف الناس بأجمعهم وقد یکون الموضوع الوحید الذی یشعر جمیع الناس بأهمیته.

وربما یظن البعض أن مفهوم السعادة تختلف من رؤیة إلى رؤیة، ولا یتّفق المؤمن مع الکافر أو الملحد فی رؤیته لسعادة الحیاة الدنیا. ولکنه کلام غیر صائب، إذ أن لا فرق بین مفهوم السعادة وحتى مصداق السعادة بین المؤمن المجاهد العابد الذی یخاف الله وبین الفاسق الفاجر الذی لا یؤمن بأی شیء ولم یترک الملاهی والخمور والفجور یوما.

إن مفهوم سعادة الحیاة الدنیا هو أن یشعر الإنسان فی حیاته الدنیویة بالسعادة واللذة والفرح والسرور والرضا والاطمئنان والارتیاح والعزة والقدرة والکرامة ونحو ذلک. أعط هذا التعریف لأکبر فاجر وأکبر عاهرة فی العالم، فلا أظن أن یخالفوک فیه.

ولکن السبیل الوحید لنیل هذه السعادة واللذة فی الحیاة الدنیا فضلا عن الآخرة هو الالتزام بالإسلام. هذا أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول: "من رزق الدین فقد رزق خیر الدنیا والآخرة" [غرر الحکم: 85] ومعنى الخیر واضح لا یحتاج إلى تفسیر، فهو ینطوی على کل ما سطّرناه فی معنى السعادة.

وفی المقابل، إن الابتعاد عن الله وأحکامه لا یخرّب آخرة الإنسان وحسب، بل یخرب دنیاه أیضا، (وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَإِنَّ لَهُ مَعیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمى‏) [طه: 124] وسوف یأتی یوم القیامة عن قریب ونرى الحقائق مکشوفة بلا ستار، وإذا نجد أن أولیاء الله وعباده الصالحین قد التذّوا فی حیاتهم الدنیویة أکثر من المترفین، حتى فی نومهم ومأکلهم ومشربهم…!

فلنفکّر ونتمعّن فی هذه الحقیقة ونحاول أن نصدّقها قبل أجلنا، فإننا غیر مستغنین عن هذه الرؤیة الرائعة یوما واحدا.