لم تصمّم القوانین والسنن التی تتحکم فی عالم الدنیا لحیاة الکافر أو الفاسق، بل قد صمّمت من أجل حیاة المؤمنین، وهی أکثر انسجاما وتراهما مع المجتمع المؤمن من غیره. فحیاة المجتمع المؤمن أهنأ وأرغد وألصق بالفؤاد على أفراده من المجتمع البعید عن الدین.

ومن خلال هذا الأصل العام یمکن تفسیر ظاهرة وفور البرکات والخیرات التی ستظهر فی المجتمع المهدوی بعد ظهور الإمام (عج). فإن تلک البرکات العظیمة التی سوف تنبت من الأرض وتهبط من السماء إلى غیرها من البرکات فی کافة أبعاد حیاة المجتمع، إنما هی بسبب إقامة الشریعة الإلهیة فیه؛ (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْض‏) الأعراف/96

من جملة هذه القوانین هو قانون تشیر إلیه الکثیر من الآیات والروایات ونستطیع أن نسمّیه بقانون "النتائج العکسیة".

بموجب هذا القانون، کلما ضحّى الإنسان بشیء فی سبیل الله، یعوّضه الله بمزید من ذلک الشیء من حیث لا یحتسب. وکلما حاول الإنسان أن یحصل على شیء بمعصیة الله، یُبعَد عنه ویحرم ذلک الشیء من حیث لا یشعر.

ففی الواقع لا یُحرَم الإنسان المتّقی شیئا بسبب تدینه وتقواه، وفی المقابل لن ینال الفاسق بالفسق والعصیان ما ابتغاه.

تعال إلى بعض المصادیق.

أ. من الأحکام التی یتملّص منها الکثیر، هی الأحکام المالیة التی تفرض على المسلم دفع بعض ماله، کأحکام الخمس والزکاة والکفّارة والصدقة، أو التی تمنعه من استلام بعض الأموال المحرّمة کالربا والرشوة.

ما أن یواجه الإنسان هذه الأحکام یشعر بأنها عبارة عن قیود وحواجز تمنعه من تحصیل الأرباح وتوفیر الأموال. فیهرب منها مخافة الإملاق وطمعا بالمزید. بید أن القانون التکوینی الإلهی قد اقتضى غیر ذلک، فهو منحاز إلى الإنسان المضحّی بماله فی سبیل الله ویحکم بتعویض مال هذا الإنسان وازدیاد برکة عیشه.

یقول الإمام الصادق علیه السلام: "مَا مِنْ رَجُلٍ أَدَّى الزَّکَاةَ فَنَقَصَتْ مِنْ مَالِهِ وَ لَا مَنَعَهَا أَحَدٌ فَزَادَتْ فِی مَالِهِ". الکافی3: 504

ب. من الأعمال المظلومة والغریبة الأخرى هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، حیث إن أکثر المجتمعات لا تمدح الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر وتعتبره إنسانا تدخل فیما لا یعنیه. وإذا قام أحد بهذه الفریضة عادة ما یلام وینصح بترک هذا العمل الذی لیس إلا "دوخة راس"! وبالنتیجة إذا أردت سعادة الدنیا فلابد لک من ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وإلا فقبّل سعادة الدنیا وداعا وکبّر علیها خمسا. هکذا یوحی إلینا المجتمع…

ولکن الروایات تصارحنا بأن القانون لیس هذا الذی توهّمه أکثر الناس، بل هو قانون آخر. وعلى أساس هذا القانون الثابت التکوینی لن یذوق المجتمع الراغب عن هذه الفریضة طعم الراحة والأمان؛ إذ طلب الأمان عن طریق ترک فریضة من فرائض الله. "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْکَرِ أَوْ لَیُسْتَعْمَلَنَّ عَلَیْکُمْ شِرَارُکُمْ فَیَدْعُو خِیَارُکُمْ فَلَا یُسْتَجَابُ لَهُمْ" الکافی5/56 وکذلک تحدث عنها الإمام الباقر علیه السلام وقال: "فَرِیضَةٌ عَظِیمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَکَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ یُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ یَسْتَقِیمُ الْأَمْر". الکافی5/56

إن هذه الفریضة بحسب الظاهر تهدد أمان الإنسان وتسلب من رزقه وحتى قد تهدد حیاته، ولهذا هرب أکثر الناس منها إذ ینطلقون من وحی الحسابات المادیة. ولکن لا یمشی العالم على أساس الحسابات المادیة والظاهریة وحسب، بل هناک حسابات أعمق وسنن خفیة لا یعیها إلا المتدبر فی القرآن وروایات أهل البیت علیهم السلام.