رشحات فكري وقلمي

9ـ تحمل ضریبة القلة

إن درب الحق والصواب طریق قد استصعبه أکثر الناس فلا یعرف قدره إلا القلیل منهم، ولهذا عندما تدخل فی هذا الطریق قد تجد نفسک وحیدا فریدا بلا صدیق.

وقد أکد القرآن على هذه الحقیقة فی آیات کثیرة. فعندما یأتی موضوع الشکر الذی له دور رئیس فی تاریخ الأمم ومصیر الإنسان، یقول القرآن: (إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَشْکُرُون‏) [البقرة: 243] وإن ذکر موضوع العلم بالحقائق الضروریة یخبرک بأن أکثر الناس لا یعلمون؛ (وَ اللَّهُ غالِبٌ عَلى‏ أَمْرِهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُون‏) [یوسف: 21] (إِنِ الْحُکْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِیَّاهُ ذلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُون) [یوسف: 40] وأما بالنسبة إلى الإیمان فیقول سبحانه: (وَ ما أَکْثَرُ النَّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنین‏) [یوسف: 103] ویقول: (وَ لَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فی‏ هذَا الْقُرْآنِ مِنْ کُلِّ مَثَلٍ فَأَبى‏ أَکْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ کُفُورا) [الإسراء: 89] إلى غیرها من عشرات الآیات التی تحکی عن هذه الحقیقة وهی أن أکثر الناس للحق کارهون.

فلا یکن دأبک اتباع الناس فی کل صغیرة وکبیرة وتقلیدهم فی کل شیء، ففی ذلک الخروج عن درب الحق (وَ إِنْ تُطِعْ أَکْثَرَ مَنْ فِی الْأَرْضِ یُضِلُّوکَ عَنْ سَبیلِ اللَّه‏) [الأنعام: 116]

ولابد من توطین النفس على تحمّل ضریبة القلّة وتعویدها على الوحدة من أجل أن لا تزلّ أقدامنا فی سبیل الله کما قال أمیر المؤمنین علیه السلام: "لا تستوحشوا فی طریق الهدى لقلة أهله" [نهج البلاغة: خ201]

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

8ـ کن أهل المغامرات أکن أهل المفاجآت

قد نشخص أحیانا أن مجتمعنا بات ینحرف عن القیم الإلهیة، أو أن هذا العرف السائد فی البلد من إنتاجات الشیطان وهذا السلوک المتفشی بین إخواننا وأقراننا مما لا یرضی الله… ولکن لا نجرأ على مخالفة العرف ولا نستطیع الانحیاز عن ما یهواه المجتمع إلى ما یرضاه الله وبالتالی نعجز عن اختیار الصواب وإن کنا قد عرفناه.

والسبب واضح، إذ یعتقد أکثر الناس بأنهم لو خالفوا العرف فی بعض المسائل، سوف یتهمون ویطردون ویستهزأ بهم وبالتالی سوف یفقدون کل اعتبارهم ومکانتهم فی المجتمع ویبقون وحیدین غریبین یعیشون حیاة الذل والشقاء… هذه رؤیة أکثر الناس.

أما إذا راجعنا القرآن، نجد أن الله قد وعد المؤمنین المتقین بالیسر وضمن لهم السعادة فی هذه الدنیا فضلا عن الآخرة حیث قال تعالى: (ِوَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجا) [الطلاق:2] و (وَ مَنْ یَتَّقِ اللَّهَ یَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ یُسْراً) [الطلاق:4] فإذا کان مقتضى التقوى مخالفة العرف وعدم اتباع سلوک الناس، فقد تکفل الله بعدم شقائک وتعاستک. ولکن المشکلة هی أن الله یعد الناس ولکن لا یشرح خطته فی التنفیذ، إذ أعدّ لکل إنسان ولکل قضیة خطة معینة، فیبقى الإنسان جاهلا بما سیفعله الله لحل الأزمة والمشکلة.

وهنا یتضح الفارق الرئیس بین المؤمن الحقیقی وغیره. حیث یحظى المؤمن بروح الاعتماد والثقة بالله، فیغامر ویؤدی تکلیفه حتى وإن استصعب نتائجه وفق المحاسبات المادیة، ثم یقف محتسبا لیشاهد الدور الإلهی فی إنهاء القصة لصالح عبده المؤمن رغما لکل الحسابات المادیة والدنیویة.

وقد تجلت هذه الحقیقة بکل وضوح فی قصة أصحاب الکهف، إذ کل الحسابات المادّیة تحکم على المتمرد الفارّ من المجتمع بالهلاک والنسیان، بید أن کاتب القصة ومخرج الفیلم قد شاء غیر ذلک وأراد أن یخرجهم من الأزمة. طبعا کان من الممکن له أن ینجی أصحاب الکهف بطریقة طبیعیة، فلماذا أنهى القصة من حیث لا یحتسب القارئ ولا الممثل؟! فلعله أراد أن یخاطب کل فرد منا ویقول لو کنت أهل المغامرات لتجدنی أهل المفاجآت.      
۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

7ـ الناس أتباع الناس

من المواصفات التی جعلت فتیة أهل الکهف فتیة ومیزتهم عن غیرهم هی أنهم استطاعوا أن یستقلوا عن المجتمع على مستوى أفکارهم وسلوکهم. وهذه الصفة تحتاج إلى شجاعة وإرادة لم یحصل علیها إلا الأندر من الناس. إذ تجد أکثر الناس وکأنهم مسلوبی الإرادة والاختیار أمام أهواء مجتمعهم وأفکاره ونزعاته.

نادرا ما تجد إنسانا یستطیع أن یجرد نفسه عن أبناء قومه ویفکر و یقرر من دون أن تفرض بیئته علیه قراراتها وأحکامها، فإن أکثر الناس هم أتباع الناس.

ولکن استطاع أصحاب الکهف أن یفکروا فی موضوع الإله والتوحید والمعبود بغض النظر عن أهواء الناس وعقائدهم سالکین منهج الاستقلال فی التفکیر والسلوک، وبالتالی خرجوا بنتیجة مخالفة للتیار العام فی مدینتهم. وهی عقیدة التوحید التی کانت غریبة ومرفوضة هناک والناس کلهم وثنیون وقد ألفوا عبادة آلهتم المختلقة.

العرف العام والرأی العام والإعلام کله کان یحترم الأصنام ولکنهم استطاع أصحاب الکهف أن یجردوا کل هذه الحبال والأغلال عن ذهنهم وینظروا إلى الأصنام بإمعان، فوجدوها لا تستحق العبادة والاحترام.

فأتحفهم الله بهدیة من عنده وأنار قلوبهم وبصیرتهم فأصبحوا یعیشون حیاة طیبة سریة معطرة بالإیمان بالله وعبادته وهم یشعرون أکبر لذة واغتباط بهذه التجربة الجدیدة.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

6ـ الفقه ثم السیاسة

سلام الله على أمیر المؤمنین (علیه السلام) حیث کان یمشی فی الأسواق ویقول: الفقه ثم المتجر [النهایة للشیخ الطوسی: 371]

إن هذه الکلمة الرائعة وإن کانت فی شأن التجارة والمتجر ولکنها لیست خاصة بذلک. حیث إننا إذا أردنا أن ندخل فی أیة ساحة وشأن من شؤون الحیاة، یجب أن نتعلم فقه ذلک ونرى ماذا قال الإسلام فیه.

من جملة هذه الساحات هی ساحة العمل السیاسی. الدخول فی الساحة السیاسیة والتحرک السیاسی أیضا له فقه خاص وهناک حدود حددها الشرع لا یجوز أن یتعداها الإنسان المسلم.

فقد ذکر الإسلام الکثیر من الأصول المهمة فی العمل السیاسی. وعندما یذکرها ویثبتها فی القرآن یعنی أن هذه الأصول أصول ثابتة وخالدة.

فقد تکلم القرآن عن الکفار والأعداء فی عدة آیات. ومن الصفات التی یذکرها عنهم، هی أن عداء هؤلاء لنا عداء مطلق، إذ لا یتراجعون عن عدائهم لنا أبدا. هم لا یریدون أی خیر لنا (مَّا یَوَدُّ الَّذِینَ کَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْکِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِکِینَ أَن یُنَزَّلَ عَلَیْکُم مِّنْ خَیْرٍ مِّن رَّبِّکُمْ) [البقرة: 105] وکذلک یغتمون ویحزنون بکل حدث ینفعنا أو یسرنا، ویفرحون بکل سیئة تصیبنا (إِن تَمْسَسْکُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْکُمْ سَیِّئَةٌ یَفْرَحُواْ بِهَا) [آل عمران: 120] وما دمنا متمسکین بدیننا فهم أعداؤنا ویعادوننا لیلا ونهارا (وَلاَ یَزَالُونَ یُقَاتِلُونَکُمْ حَتَّىَ یَرُدُّوکُمْ عَن دِینِکُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ) [البقرة: 217]

هذه معلومات قیمة قد أسفر عنها القرآن عن خصائص الأعداء وشدة عدائهم للإسلام والمسلمین، ولکن مع الأسف الشدید ترى بعض الأشخاص یخوض فی عالم السیاسة فی مختلف ساحاته وکأنه غیر مسلم ولا یؤمن بکتاب اسمه القرآن.

فتجده یقول: "أمریکا دولة صدیقة" والآخر یقول: "عندنا مصالح مشترکة مع أمریکا" والآخر یصرح: "أمریکا ترید أن توفر الأمن فی المنطقة ولکن الصدامیون والتکفیریون یعارضونها" وفلان من الرجال یقول: "یجب أن تبقى أمریکا فی العراق لتحمینا عن الإرهابیین"...
فکل هذا الکلام على أحسن تقدیر ناتج من عدم الوعی الدینی فی موضوع "ماهیة أعداء المسلمین".

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

5ـ لقد خفی هذا السر عن أکثر الناس

من خلال ما ورد فی الآیات والروایات نستطیع أن نقطع بلا أیّ شک وریب أن الطریق الوحید لنیل الأهداف الدنیویة هو اتباع البرنامج الإلهی للحیاة المتمثل بأحکام الشریعة. فعلى سبیل المثال یقول الله سبحانه فی القرآن الکریم: (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُون)‏ [الأعراف: 96] وقال سبحانه: (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَکَرٍ أَوْ أُنْثى‏ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْیِیَنَّهُ حَیاةً طَیِّبَةً وَ لَنَجْزِیَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما کانُوا یَعْمَلُون‏) [النحل: 97]

وهناک الکثیر من الآیات والروایات التی تتحدث عن التبعات السلبیة المترتبة على الذنوب فی هذه الدنیا فضلا عن الآخرة فقد قال أمیر المؤمنین (علیه السلام): "لَا یَتْرُکُ النَّاسُ شَیْئاً مِنْ أَمْرِ دِینِهِمْ لِاسْتِصْلَاحِ دُنْیَاهُمْ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مَا هُوَ أَضَرُّ مِنْه‏" [نهج البلاغة، کلمات القصار 106]

إذن الناس أمام طریقین فی هذه الحیاة الدنیا؛ طریق یلبّی رغباتهم وطموحاتهم وأهدافهم وآمالهم فی الدنیا ثم یأخذ بیدهم إلى السعادة الأبدیة فی الآخرة، وطریق مملوء بالخیبة وعدم الاستقرار والشعور بالتعاسة والمشاکل والمتاعب وتلف الأعصاب فی الحیاة الدنیا، وبالتالی یؤدی إلى نار جهنم والتعاسة الأبدیة فی دار القرار. هذه هی الرؤیة الدقیقة عن الدنیا والآخرة ودور الدین فیهما.

هنا یأتی سؤال وهو إذا کان دور الدین فی الحیاة الدنیا هکذا دور، ولا یتعارض الدین مع ما یرغب ویطمح إلیه الإنسان فی هذه الدنیا، فما هو فنّ المؤمنین فی التزامهم وتمسّکهم بأحکام الله، وإذا لم یضحوا بسعادتهم فی الدنیا فلماذا استحقوا الأجر من الله عز وجل. ثم إذا کان الدین ملائما ومنسجما مع ما یطلبه الإنسان فی الحیاة الدنیا من أهداف وطموح، فما هو السرّ فی إعراض أکثر الناس عن الدین بغیة الحصول على شیء من لذة الدنیا وسعادتها؟

الجواب هو أن الله سبحانه وتعالى لم یجعل هذه الحقیقة الرائعة واضحة کل الوضوح فی الدنیا، إذ جعل الدنیا دار بلاء وامتحان ومقتضى هذا الأمر أن تکون بعض الحقائق غامضة لا تدرک إلا بنور الإیمان. السرّ فی عدم تمسک الناس بهذه القاعدة هو أن الله قد جعل ظاهر طریق الحق عکرا مریبا، وجعل ظاهر طریق الباطل حلوا جمیلا. ولکن هذا هو الظاهر فحسب. وإلا فالله سبحانه قد أکد فی القرآن أن لا ننخدع بظواهر الطریقین، فلا طریق الحق طریق تعیس کما یبدو من الخارج، إذ یقول سبحانه (الَّذینَ آمَنُوا وَ کانُوا یَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرى‏ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ لا تَبْدیلَ لِکَلِماتِ اللَّهِ ذلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظیم) [یونس: 63ـ 64] ولا طریق الباطل حلو جمیل کما یبدو من الخارج؛ (فَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُریدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا) [التوبة: 55]

من هنا یتضح أن فنّ المؤمنین لیس هو التضحیة بسعادة الدنیا فی سبیل الحصول على سعادة الآخرة، بل إنما هو الاعتماد على الله والثقة بالله فی سبیل الفوز بسعادة الدارین.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

4ـ وهنا نتفق مع الکفار

قد لا یتفق الناس جمیعا على الإیمان بالمعاد والآخرة، إذ هناک من ینکر المعاد ویکفر به، ولهذا لم یهدف جمیع الناس إلى نیل سعادة الآخرة. کما أن الکثیر من الناس باتوا لا یبالون بالآخرة بسبب ضعف إیمانهم فجعلوا الدنیا کل همّهم وغمّهم ولا یفکرّون إلا بسعادة الدنیا. ومن جانب آخر، لا یفکر المؤمنون بسعادة الآخرة وحسب، بل یطلبون سعادة الدنیا أیضا (ُ رَبَّنا آتِنا فِی الدُّنْیا حَسَنَةً وَ فِی الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النَّار) [البقرة: 201] فسعادة الدنیا تمثل القاسم المشترک بین أهداف الناس بأجمعهم وقد یکون الموضوع الوحید الذی یشعر جمیع الناس بأهمیته.

وربما یظن البعض أن مفهوم السعادة تختلف من رؤیة إلى رؤیة، ولا یتّفق المؤمن مع الکافر أو الملحد فی رؤیته لسعادة الحیاة الدنیا. ولکنه کلام غیر صائب، إذ أن لا فرق بین مفهوم السعادة وحتى مصداق السعادة بین المؤمن المجاهد العابد الذی یخاف الله وبین الفاسق الفاجر الذی لا یؤمن بأی شیء ولم یترک الملاهی والخمور والفجور یوما.

إن مفهوم سعادة الحیاة الدنیا هو أن یشعر الإنسان فی حیاته الدنیویة بالسعادة واللذة والفرح والسرور والرضا والاطمئنان والارتیاح والعزة والقدرة والکرامة ونحو ذلک. أعط هذا التعریف لأکبر فاجر وأکبر عاهرة فی العالم، فلا أظن أن یخالفوک فیه.

ولکن السبیل الوحید لنیل هذه السعادة واللذة فی الحیاة الدنیا فضلا عن الآخرة هو الالتزام بالإسلام. هذا أمیر المؤمنین (علیه السلام) یقول: "من رزق الدین فقد رزق خیر الدنیا والآخرة" [غرر الحکم: 85] ومعنى الخیر واضح لا یحتاج إلى تفسیر، فهو ینطوی على کل ما سطّرناه فی معنى السعادة.

وفی المقابل، إن الابتعاد عن الله وأحکامه لا یخرّب آخرة الإنسان وحسب، بل یخرب دنیاه أیضا، (وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِکْری فَإِنَّ لَهُ مَعیشَةً ضَنْکاً وَ نَحْشُرُهُ یَوْمَ الْقِیامَةِ أَعْمى‏) [طه: 124] وسوف یأتی یوم القیامة عن قریب ونرى الحقائق مکشوفة بلا ستار، وإذا نجد أن أولیاء الله وعباده الصالحین قد التذّوا فی حیاتهم الدنیویة أکثر من المترفین، حتى فی نومهم ومأکلهم ومشربهم…!

فلنفکّر ونتمعّن فی هذه الحقیقة ونحاول أن نصدّقها قبل أجلنا، فإننا غیر مستغنین عن هذه الرؤیة الرائعة یوما واحدا. 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

3ـ لا تضح بسعادة الدنیا

مما یطمح إلیه جمیع الناس وخاصة الشباب، هو أن یتمتّعوا بحیاة جمیلة وسعیدة فی هذه الدنیا. حیث قد نستطیع أن نفسّر کل أفعال الناس وأنشطتهم کمحاولات لتکثیر حلاوة الحیاة والتقلیل من مرارتها. کما عندما نکشف نحن الشباب عما فی ضمیرنا من آمال وطموح، فی الواقع نتکلم عن تصورنا ورؤیتنا عن الحیاة السعیدة والجمیلة.

عندما یقتدی شابّ بأحد الفنانین الغربیین، فإنه فی الواقع قد اعتبره سعیدا فی حیاته الدنیویة فأراد أن یقترب منه لیحصل على شیء من سعادته. وکذلک من اقتدى بشخصیة علمیة أو ریاضیة أو غیرها فإنه یرى حیاة قدوته حیاة جمیلة وسعیدة.

کما أن الصراع الموجود بین الحضارات یکمن فی أن کل حضارة تدّعی بأنها هی الأجدر على إسعاد الناس فی الحیاة الدنیویة دون غیرها. وإن الأفلام والمسلسلات التی تنتجها هذه الحضارات إنما هی دعایات لمختلف أسالیب الحیاة، حیث تحاول کل حضارة أن تبرز حلاوة أسلوبها فی الحیاة وتخفی العیوب والتعاسة التی لا تنفک عن حیاتها.

لا شک فی أن الإنسان ولاسیما الشابّ مثالی الطموح، فمن الصعب جدا أو من المستحیل أن تقنعه على کفّ الید عن سعادة الدنیا والاکتفاء بسعادة الآخرة. إذ یطلب الإنسان سعادته أینما کان، ولا یرضى بتعاسة إحدى الدارین، فإذا نرى بعض الشباب قد رغبوا عن الدین وباتوا یرتکبون الذنوب والمعاصی، فذلک بسبب أنهم شعروا بوجود تعارض بین الدّین وسعادة الإنسان فی الدنیا، أو شعروا بحلاوة الحیاة الغربیة المتحررة عن قیود الدین، فلجئوا إلیها.

ومن جانب آخر إن کثیرا من الذین یتحدثون باسم الدین ویدعون الناس والشباب إلى الالتزام بالدین یدعوهم إلى التضحیة بسعادة الدنیا من أجل سعادة الآخرة. فیقف الشابّ حائرا لا یدری ماذا یختار مع أن الله لم یدع فی وجوده طاقة تحمّل التعاسة حتى للحظة واحدة.

نحن بحاجة إلى إعادة النظر فی رؤیتنا عن الدین لنرى هل أراد الدین منّا أن نضحی بسعادة الدنیا، وهل نتیجة الالتزام بالدین هی مرارة الحیاة الدنیویة وتعاستها لتکون الحیاة الإلحادیة أجمل وأهنأ لولا وجود الآخرة، أم لا؟

هنا نجیب عن السؤال بجملة واحدة ونوکل البحث والنقاش إلى المواضیع القادمة إن شاء الله، وهو أن الإسلام جاء لتحقیق سعادتنا فی الدنیا والآخرة معا، ومن هذا المنطلق لم ولن یأمرنا الدین بأمر وعمل یؤدی إلى تعاسة حیاتنا الدنیویة أبدا. 


 

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

2ـ نص محاضرة فی الاهتمام بالصلاة

1ـ کان أئمة أهل البیت (علیهم السلام) قد یجدون بعض الظروف والمواقف التی إذا تکلموا فیها یخلد حدیثهم فی التاریخ. ولو کان المقدّر أن لا یبقى من کلامهم وتراثهم شیء سوى حدیث واحد أو خطبة واحدة، لکان ذلک الکلام هو هذا الذی نطق به فی هذا الظرف الحساس. فعلى سبیل المثال لو کان القرار أن لا یبقى حدیث من الرسول (صلى الله علیه وآله) سوى حدیث واحد، لکان ذلک الحدیث خطبته یوم الغدیر، باعتبار أن الظروف کانت استثنائیة وقد توفرت کل العوامل الإعلامیة لخدمة خطبة الغدیر. أو من قبیل حدیث سلسلة الذهب للإمام الرضا (علیه السلام) الذی ألقاه فی نیسابور وکان الکتّاب وأهل المحابر فی ذلک الیوم أکثر من عشرین ألف رجل. [السید المرعشی، شرح إحقاق الحق، ج12، ص388] ولا شک فی أن الحکمة تقتضی أن لا یضیّع أهل البیت (علیهم السلام) هذه الفرصة بکلام غیر مهمّ، وهذا الذی تحقق فعلا، إذن من الطبیعی أن یهتمّ الإنسان بهذه الأحادیث أشد اهتمام.

ومن أهم هذه الحالات الاستثنائیة التی من شأنها أن تخلّد کلام الإنسان، کلامه فی فراش الموت وفی ساعة الاحتضار، إذ فی هذه اللحظة یتلهف أهل المرء إلى استماع حدیثه والعمل بوصیته، وإذا بالإمام الصادق (علیه السلام) قد اختار موضوع الصلاة والاستخفاف بالصلاة.

عَنْ أَبِی بَصِیرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَمِیدَةَ أُعَزِّیهَا بِأَبِی عَبْدِ اللَّهِ ع فَبَکَتْ وَ بَکَیْتُ لِبُکَائِهَا ثُمَّ قَالَتْ یَا أَبَا مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَیْتَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عِنْدَ الْمَوْتِ لَرَأَیْتَ عَجَباً فَتَحَ عَیْنَیْهِ ثُمَّ قَالَ اجْمَعُوا کُلَّ مَنْ بَیْنِی وَ بَیْنَهُ قَرَابَةٌ قَالَتْ فَمَا تَرَکْنَا أَحَداً إِلَّا جَمَعْنَاهُ فَنَظَرَ إِلَیْهِمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ شَفَاعَتَنَا لَا تَنَالُ مُسْتَخِفّاً بِالصَّلَاة. [وسائل الشیعة4: 26]

وقد رویت بطریقة أخرى عن نفس أبی بصیر حیث روى عن أبی الحسن، یعنی الإمام الکاظم (علیه السلام) إنه لما احتُضر أبی قال لی یا بنیّ لا ینال شفاعتنا من استخف بالصلاة. [الکافی3: 270]

کما أن النبی (صلى الله علیه وآله) قد أوصى بهذه الوصیة عند وفاته:

عن زرارة عن أبی جعفر علیه السلام قال: لا تتهاون بصلاتک فإن النبی قال عند موته لیس منی من استخفّ بصلاته. [الکافی3: 269]

2ـ یبدو من ظاهر هذه الروایات أن الإمام أو النبیّ لا یخاطب تارکی الصلاة وحسب، إذ لیس المصداق الوحید للاستخفاف بالصلاة ترک الصلاة، بل یمکن أن یکون الإنسان مصلیا ومواظبا على صلاته ولکنه یحسب مستخفا بها، کما أشار القرآن إلى ذلک حیث یقول: (فَوَیْلٌ لِلْمُصَلِّینَ * الَّذینَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون: 4، 5] وبالتالی یحرم شفاعة أهل البیت (علیهم السلام). ولا نتوهم أن یمکن لأحد أن یدخل الجنة بلا شفاعة أهل البیت (علیهم السلام). [الإمام الخمینی، چهل حدیث428]

اسمعوا هذه الروایة المخیفة. عَنِ الْعِیصِ بْنِ الْقَاسِمِ قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ع وَ اللَّهِ إِنَّهُ لَیَأْتِی عَلَى الرَّجُلِ خَمْسُونَ سَنَةً وَ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ صَلَاةً وَاحِدَةً فَأَیُّ شَیْ‏ءٍ أَشَدُّ مِنْ هَذَا وَ اللَّهِ إِنَّکُمْ لَتَعْرِفُونَ مِنْ جِیرَانِکُمْ وَ أَصْحَابِکُمْ مَنْ لَوْ کَانَ یُصَلِّی لِبَعْضِکُمْ مَا قَبِلَهَا مِنْهُ لِاسْتِخْفَافِهِ بِهَا إِنَّ اللَّهَ لَا یَقْبَلُ إِلَّا الْحَسَنَ فَکَیْفَ یَقْبَلُ مَا یُسْتَخَفُّ بِه. [وسائل الشیعة4: 24] من خلال هذه الروایة نفهم أن الإنسان لا ینجو من الاستخفاف بالصلاة بمجّرد أدائها…

3ـ إن مفهوم الاهتمام بالصلاة الذی هو فی مقابل الاستخفاف بالصلاة مفهوم کیفی، یعنی  قد یفسّر بعدّة تفاسیر، أو قد لا یفهم المقصود منه تماما، فینبغی أن نبدله إلى مفاهیم ملموسة أکثر، وهذا هو المنهج الذی یعتمده المحققون الیوم فی تقییم المفاهیم الکیفیة. من قبیل مفهوم التطور أو التنمیة، فإذا أرادوا أن یقیسوا مدى تطور البلد فی التنمیة البشریة مثلا، لا یأتون إلى هذا العنوان مباشرة، بل یحللون هذا المفهوم الکیفی إلى مجموعة من المفاهیم الکمیّة الواضحة التی لا تحتمل تفاسیر متعددة. وبعبارة أخرى یحدّدون مجموعة من المؤشرات لتقییم التنمیة البشریة فی البلد. ما هی هذه المؤشرات؟ مستوى الدخل، طول الحیاة الصحیة فی البلد، تنمیة القدرات الإنسانیة من خلال توفیر فرص التعلیم، النموّ الاقتصادی مثلا وهکذا. فکل هذه المؤشرات هی مفاهیم کمیّة واضحة.

طبعا هذه طریقة جیدة ومعترف بها فی الإسلام. إذ هناک کم هائل من الروایات التی تفسّر المفاهیم الکیفیّة التی فیها بعض الغموض وتحللها إلى مفاهیم أوضح. هکذا لابد أن نتعامل مع المفاهیم الدینیة.

4ـ طیب، لنجعل بعض المؤشرات للاهتمام بالصلاة، وبالتالی نکشف مدى اهتمامنا واستخفافنا بالصلاة. طبعا لیس المقصود من ذکر المؤشرات التالیة هو البتّ فی أن من یفتقد هذه المؤشرات فهو مستخف بالصلاة وبالتالی فیحرم شفاعة أهل البیت (علیهم السلام) وسوف یخلد فی النار! کما لا أستطیع أن أقطع بأن المقصود من المستخف بالصلاة فی هذه الروایة هو الفاقد للمؤشرات التالیة.

[هناک قضیة لابد أن نلتفت إلیها وهی أن من شأن بعض الذنوب أن تدخل الإنسان فی النار ومن جملتها السفور أو ترک الصلاة، ولکن لا ینبغی أن نحکم على فلان إنسان أو فلان امرأة ونقول بأنهم فی النار قطعا. لأن هذا غیر معلوم…]

أ. کم نفکر فی أداء صلاة جیدة؟

الإنسان الذی یهتمّ بصلاته یفکر فیها دائما. هذه طبیعة الناس حیث یشغلون ذهنهم بما اهتموا به، فإن تجد أحدا لا یفکّر بشیء یعنی أنه لا یهتمّ به. فإذا کنا نصلّی ومواظبین على الصلاة ولکننا لا نفکر فی باقی الأوقات فی صلاتنا هذا یدلّ على أننا قد جعلنا الصلاة فی سلة الأعمال غیر المهمّة.

انظروا إلى لاعبی کرة القدم، کیف تکون حیاتهم؟ من المؤکد أنهم یفکرون فی اللعب ویتذکرون لقطات لعبهم لیلا ونهارا. وهکذا حال التاجر فی السوق وصاحب المعمل والفنّان وغیرهم. هذا حال من اهتمّ بشیء. فکیف نحسب أنفسنا مهتمّین بالصلاة مع أننا لا نفکر فیها فی باقی أوقات الیوم. یقول أمیر المؤمنین (علیه السلام) "من اهتم بشیء أکثر ذکره." [مستدرک الوسائل13: 142].

ما معنى التفکیر فی الصلاة؟

یعنی مثلا نخطط لحفظ حضور القلب فی الصلاة، أو نحاول أن نقنع أنفسنا على أداء الصلاة فی أول وقتها، هذا نوع من التفکیر، أو نسعى لکشف بعض المعانی والتداعیات من أجل الاستئناس بأذکار الصلاة، وهکذا… هذا هو المقصود من التفکیر.

ب. کم نتمنى أن نوفق لأداء صلاة راقیة؟

التمنی من طبائع الإنسان، وکل الناس یصرفون أمنیاتهم فی ما یهتمون به، ولهذا أمرنا أن لا نجعل آمالنا فی الدنیا، إذ لا ینبغی للإنسان أن یصبّ کل اهتمامه فی الدنیا. أما إذا اهتمّ بشیء فلا مناص من صرف بعض آماله فیه. إذن من المفترض أن تکون بعض آمال الإنسان المهتمّ بالصلاة هو أن یأمل ویتمنى التوفیق لأداء صلاة مع حضور قلب کامل وخشیة وخشوع وبکاء…

نحن نخاطب الله فی آخر دعاء کمیل ونقول له: "وبلغنی منای ولا تقطع من فضلک رجائی" فإذا أراد الله أن یستجیب لنا هذا الدعاء، ینظر إلى قلبنا لیستعرض قائمة الأمنیات التی قد ثبتناها فی قلبنا، فلیس من الجمیل أن یجد کل آمالنا فی المسائل الدنیویة ولیست لدینا أی أمنیة فی الصلاة والعبادة.

 

ج. کم نراقب أنفسنا أثناء الصلاة؟

أیضا هذا مؤشر مهمّ یدل على مدى اهتمام الإنسان بصلاته. هکذا نجد طبیعة الناس. فتجدهم یبذلون أشدّ الاهتمام والحرص والدقة أثناء أداء أعمالهم المهمة. کالتجارة مثلا، أو الحضور فی جلسة الامتحان، أو أثناء المباراة…

د. المؤشر الرابع على الاهتمام بالصلاة، هو الشعور بالأسف والحزن بعد أداء صلاة تعبانة.

لا ینبغی أن یقول الإنسان بأنی عملت بما استطعت من أجل أداء صلاة جیدة، والآن فقد عملت بتکلیفی… لا… لماذا؟ لأن عموم الناس لا یتعاملون بهذا الأسلوب مع مسائلهم المهمة. الناس یتأسفون من عدم توفیقهم فی أعمالهم. یجب أن یکون حال المصلی بعد أداء صلاته ساهیا وغافلا، مثل الحال اللاعب الذی لم یهدّف فی البنرتی، أو کالصیاد الذی وجد صیدا بعد ساعات من التعب والبحث، ورمى السهم ولم یصب. کیف یتأسف ویحزن هذا الإنسان؟ ینبغی أن نتأسف مثله.

هـ. المؤشر الأخیر هو أن ندعو ونسأل الله أن یوفقنا لأداء صلاة حسنة مع حضور القلب و یصلح صلواتنا السابقة أیضا.

نحن محدودون فی أعمالنا، ولکن لسنا محدودین فی الدعاء. الدعاء هو جناح أعطاه الله للإنسان لیحلّق به حیث ما شاء. الدعاء یحکی عن مدى کبر شخصیة الإنسان.

إن الله سبحانه وتعالى سوف یطلق عنان الإنسان المسلم فی الجنان ویقول له اذهب حیث ما ترید، فیحمد أهل الجنة ربهم على هذه النعمة ویقولون: (وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذی صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلین‏) [الزمر: 74] ولکن لم ینطلق کل الناس إلى أعلى علیین؛ إلى الدرجات الرفیعة فی الجنان، بل سیکتفی کل إنسان بشأنه وقدره مع أنه هو حر فی الذهاب إلى أی مکان.

قد نتعجب ونقول: کیف یمکن؟

لماذا لا یمکن مولانا؟ نستطیع أن نجد هذه الظاهرة فی هذه الحیاة الدنیا. حیث إن الله قد سمح للناس بأن یدعوه ویسألوه کل شیء من دون أن یأخذوا بنظر الاعتبار مستوى أعمالهم واستحقاقهم، ولکن أکثر الناس إما غافلون عن أصل الدعاء وإما یکتفون فی أدعیتهم بالقلیل البسیط…

لعلنا فی یوم القیامة نرى أن بعض أصدقائنا ورفقاءنا قد کسبوا مقاما رفیعا جدا أکثر من مستوى أعمالهم وعباداتهم، فنظن أن قد حصل اشتباه فی ملفات أعمال الناس، وإذا بعد السؤال عن السبب، یتبین أن أدعیته کانت رفیعة جدا. سوف یرى الناس هناک أن الله کان صادقا فی قوله (ادعونی استجب لکم).

أنظروا إلى هذه الروایة العظیمة. طبعا کان من المفروض أن آخذ من کل واحد 10000 دینار حتى أقرأ علیه هذه الروایة.

قال رَسُولُ اللَّهِ ص یَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلَانِ کَانَا یَعْمَلَانِ عَمَلًا وَاحِداً فَیَرَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَوْقَهُ فَیَقُولُ یَا رَبِّ بِمَا أَعْطَیْتَهُ وَ کَانَ عَمَلُنَا وَاحِداً فَیَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى سَأَلَنِی وَ لَمْ تَسْأَلْنِی ثُمَّ قَالَ سَلُوا اللَّهَ وَ أَجْزِلُوا فَإِنَّهُ لَا یَتَعَاظَمُهُ شَیْ‏ءٌ. [وسائل الشیعة7: 24]

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

1ـ ما أسهل الإیمان بولایة الفقیه، ولکن بشرطها وشروطها

عندما نفتح موضوع ولایة الفقیه على البعض ونتکلم عن محتواه ومضمونه الرائع، أحیانا نجده قبل أن یفکر فی الموضوع و یهضم القضیة جیدا، یصطدم معنا بقائمة من الأسئلة، وعادة ما یفتتح استنکاره بهذا السؤال ویقول: وما الدلیل؟ وبعد ذلک قد یسرد أسئلته بغیة طمّ القضیة برمتها متسائلا: وکیف یمکن إطاعة غیر المعصوم؟ ثم حتى ولو جاز ذلک کیف نوقن بولایة هذا الرجل لا غیره من فطاحل العلماء والمراجع؟ ومن أنباک أن هذا الرجل نائب الإمام الحجة (عج)؟ وهل یمکن أن نسلک طریقا بلا حجة ودلیل ونؤمن بقول بلا استماع برهان و…؟

ولعلنا نقضی الساعات ونسهر اللیالی معه من أجل إثبات القضیة بالبراهین العقلیة والنقلیة والملفقّة باحثین عنها بین زوایا وهوامش الکتب الصفراء، ثم بعد کل هذا العناء یضرب کل ما سمعه عرض الجدار ویقول: لا شک فی أن کلامک وجیه ولطیف ولکن المسألة أعقد من هذا المستوى، کما فی المقابل هناک شبهات قویة لا یمکن ردّها بهذه البساطة، فالقضیة تحتاج إلى تحقیق أکثر وأعمق…!

ما المشکلة؟ هل إن براهیننا ضعیفة کما یزعمون؟ وهل الذین آمنوا بولایة الفقیه من دون خوض هذه الأبحاث ورکنوا إلى رایة الولایة باذلین دماءهم وأنفسهم، کانوا بسطاء سفهاء لم یألفوا منهج التحقیق ودراسة النظریات؟ وهل الذین لم یؤمنوا بولایة الفقیه قد عثروا على براهین أدقّ وأحکم من هذه البراهین فانتهجوا طریقا آخر؟

لیس الأمر شیئا من هذا، ولا داعی للتعب والتفتیش للحصول على براهین أعمق وأدقّ لنقنع عقول هؤلاء النوابغ الذین لن تخفى عنهم ثغرة فی برهان ولا مصادرة فی قیاس ولا أی اعوجاج فی دلیل.

القضیة هی أن جمیع الناس بلا استثناء، عندما یواجهون النظریات وحتى الأخبار والإشاعات لا یواجهونها بأذهان خالیة وأوعیة فارغة، إذ لا ینفکّ الإنسان عن خلفیات ذهنه ومشاعره. فعلى سبیل المثال عندما کان یعلن نبیّ بنبوته، کان البعض یسترّ ویستبشر بهذا الخبر ویوشک أن یؤمن به، فیقوم بتحقیق یسیر من أجل اطمئنان قلبه فقط، فیشتعل قلبه نورا بمشاهدة آیات الله وبیناته الواضحة الدالة على نبوة هذا الإنسان، ویوقن به یقینا لا یعتریه شک أبدا.

وأما الآخرون فیتلقون خبر نبوة هذا الإنسان کخبر سوء مزعج منذ البدایة، إذ یصعب علیهم الإیمان بأی نبی، فیتمنون أن یکون الخبر کذبا وادعاء الرجل افتراء. ثم تجدهم یتفوّهون بکلام مرتّب ملمّع محاولین إخفاء ما یجری فی قلبهم فیقولون: لا شک فی أن من ینال مقام النبوة یجب أن یؤید ببراهین واضحة لا یمکن إنکارها، وإلى الآن لم نشاهد هذه البراهین من هذا الرجل. أو یخاطبون نفس النبی ویقولون له: لم نراک إلا إنسانا کباقی الناس فإن کنت صادقا فی ادعائک وکنت نبیا حقا فأت ببرهان واضح؛ (ما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآیَةٍ إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقین‏) [شعراء: 154]

القضیة هی أن فی کل زمان هناک من یفتقد روح الولایة فی قلبه ویبذل کل جهده من أجل الخدش فی إعجاز الأنبیاء وإبطالها لیتخلص من ورطة الولایة، ولا زال أمثالهم موجودین.

الإنسان السلیم الذی لم یبتل بأمراض القلب ولم یسجن فی سجون النفس وزنزاناتها یجب أن یتمنى أن یقوده ولی وقائد، إذ لم یدع الله الناس فی یوم من الأیام بلا هاد وقائد، کما قال الإمام الصادق أو الباقر (ع): إِنَّ اللَّهَ لَمْ یَدَعِ الْأَرْضَ بِغَیْرِ عَالِمٍ وَ لَوْ لَا ذَلِکَ لَمْ یُعْرَفِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ. [الکافی1: 178] ومعنى ذلک هو أنه لم یستغن الإنسان فی تاریخه عن القائد ویدل ذلک على أن الله قد خلق الإنسان محتاجا إلى القائد وفطره على هذه الحاجة. فنظریة ولایة الفقیه جاءت لقضاء إحدى حوائج الإنسان الفطریة، فهی تقول یا أیها الناس أبشروا وافرحوا فکما أن الله سبحانه وتعالى لم یترک الناس فی یوم من الأیام بلا هاد وقائد کذلک الیوم لم یترک الأمة الإسلامیة وحدها، فهو قد أرسل لنا فقیها لنطیعه ونلتف حول رایته.

إن هذه النظریة جمیلة قبل أن تکون مستدلة ومبرهنة، ومن لم یر جمالها وحلاوتها لم یوفق للإیمان بها، ومن کان یتمنى بطلان هذه النظریة وخاض التحقیق فیها من أجل إبطالها لم یؤمن بها أبدا، لأنه یفتقد أهم شرط الإیمان بالولایة وهو روح الولایة والإطاعة. 



۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري