رشحات فكري وقلمي

19ـ قانون النتائج العکسیة

لم تصمّم القوانین والسنن التی تتحکم فی عالم الدنیا لحیاة الکافر أو الفاسق، بل قد صمّمت من أجل حیاة المؤمنین، وهی أکثر انسجاما وتراهما مع المجتمع المؤمن من غیره. فحیاة المجتمع المؤمن أهنأ وأرغد وألصق بالفؤاد على أفراده من المجتمع البعید عن الدین.

ومن خلال هذا الأصل العام یمکن تفسیر ظاهرة وفور البرکات والخیرات التی ستظهر فی المجتمع المهدوی بعد ظهور الإمام (عج). فإن تلک البرکات العظیمة التی سوف تنبت من الأرض وتهبط من السماء إلى غیرها من البرکات فی کافة أبعاد حیاة المجتمع، إنما هی بسبب إقامة الشریعة الإلهیة فیه؛ (وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْض‏) الأعراف/96

من جملة هذه القوانین هو قانون تشیر إلیه الکثیر من الآیات والروایات ونستطیع أن نسمّیه بقانون "النتائج العکسیة".

بموجب هذا القانون، کلما ضحّى الإنسان بشیء فی سبیل الله، یعوّضه الله بمزید من ذلک الشیء من حیث لا یحتسب. وکلما حاول الإنسان أن یحصل على شیء بمعصیة الله، یُبعَد عنه ویحرم ذلک الشیء من حیث لا یشعر.

ففی الواقع لا یُحرَم الإنسان المتّقی شیئا بسبب تدینه وتقواه، وفی المقابل لن ینال الفاسق بالفسق والعصیان ما ابتغاه.

تعال إلى بعض المصادیق.

أ. من الأحکام التی یتملّص منها الکثیر، هی الأحکام المالیة التی تفرض على المسلم دفع بعض ماله، کأحکام الخمس والزکاة والکفّارة والصدقة، أو التی تمنعه من استلام بعض الأموال المحرّمة کالربا والرشوة.

ما أن یواجه الإنسان هذه الأحکام یشعر بأنها عبارة عن قیود وحواجز تمنعه من تحصیل الأرباح وتوفیر الأموال. فیهرب منها مخافة الإملاق وطمعا بالمزید. بید أن القانون التکوینی الإلهی قد اقتضى غیر ذلک، فهو منحاز إلى الإنسان المضحّی بماله فی سبیل الله ویحکم بتعویض مال هذا الإنسان وازدیاد برکة عیشه.

یقول الإمام الصادق علیه السلام: "مَا مِنْ رَجُلٍ أَدَّى الزَّکَاةَ فَنَقَصَتْ مِنْ مَالِهِ وَ لَا مَنَعَهَا أَحَدٌ فَزَادَتْ فِی مَالِهِ". الکافی3: 504

ب. من الأعمال المظلومة والغریبة الأخرى هو الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، حیث إن أکثر المجتمعات لا تمدح الآمر بالمعروف والناهی عن المنکر وتعتبره إنسانا تدخل فیما لا یعنیه. وإذا قام أحد بهذه الفریضة عادة ما یلام وینصح بترک هذا العمل الذی لیس إلا "دوخة راس"! وبالنتیجة إذا أردت سعادة الدنیا فلابد لک من ترک الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وإلا فقبّل سعادة الدنیا وداعا وکبّر علیها خمسا. هکذا یوحی إلینا المجتمع…

ولکن الروایات تصارحنا بأن القانون لیس هذا الذی توهّمه أکثر الناس، بل هو قانون آخر. وعلى أساس هذا القانون الثابت التکوینی لن یذوق المجتمع الراغب عن هذه الفریضة طعم الراحة والأمان؛ إذ طلب الأمان عن طریق ترک فریضة من فرائض الله. "لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ لَتَنْهُنَّ عَنِ الْمُنْکَرِ أَوْ لَیُسْتَعْمَلَنَّ عَلَیْکُمْ شِرَارُکُمْ فَیَدْعُو خِیَارُکُمْ فَلَا یُسْتَجَابُ لَهُمْ" الکافی5/56 وکذلک تحدث عنها الإمام الباقر علیه السلام وقال: "فَرِیضَةٌ عَظِیمَةٌ بِهَا تُقَامُ الْفَرَائِضُ وَ تَأْمَنُ الْمَذَاهِبُ وَ تَحِلُّ الْمَکَاسِبُ وَ تُرَدُّ الْمَظَالِمُ وَ تُعْمَرُ الْأَرْضُ وَ یُنْتَصَفُ مِنَ الْأَعْدَاءِ وَ یَسْتَقِیمُ الْأَمْر". الکافی5/56

إن هذه الفریضة بحسب الظاهر تهدد أمان الإنسان وتسلب من رزقه وحتى قد تهدد حیاته، ولهذا هرب أکثر الناس منها إذ ینطلقون من وحی الحسابات المادیة. ولکن لا یمشی العالم على أساس الحسابات المادیة والظاهریة وحسب، بل هناک حسابات أعمق وسنن خفیة لا یعیها إلا المتدبر فی القرآن وروایات أهل البیت علیهم السلام.  

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

18ـ لیس الحسینی من... بل الحسینی من...

من أفضل السباقات والمنافسات فی هذا العالم هو أن نتسابق مع بعضنا فی أن نکون حسینیین وأن نتحلىّ بصفات الحسینیّ الأصیل.

والأهم من ذلک هو أن نعرف خصائص الحسینی الحقیقی لنجعلها ملاکا ومعیارا فی تقییم أنفسنا على أساس هذا المقیاس. إذ عندما ننزل إلى المجتمع قد نواجه بعض المعاییر التی قد تعتبر مسائل هامشیة وبعیدة عن هدف الحسین الرئیس فی حرکته وثورته.

إن إقامة المآتم ومجالس العزاء على الحسین (علیه السلام) من أهم وأفضل ما یمکن أن نقوم به فی محرّم، ولکن لیس کل من أقام المجالس والهیئات حسینیا.

کما أن صرف الأموال فی سبیل الحسین (علیه السلام) وطبخ التمّن والقیمة عمل حسن بلا أی شکّ وریب، وجزا الله الباذلین والطابخین والصابّین والموّزعین خیر جزاء، إلّا أنه لیس هذا العمل حاسما فی تعیین الحسینیّ الأصیل.

وکذلک الأمر بالنسبة إلى الخطابة وصعود المنبر وإلقاء القصائد واللطمیات والحضور فی المجالس ولبس السواد ونصب السواد واللطم وحتى البکاء…، فإن کلّها أعمال عظیمة ومأجورة إن أدّیت بالشکل الصحیح ولکنها لیست المعیار الأخیر والحاسم فی تشخیص الإنسان الحسینیّ. إذن ما هو المعیار؟!

عندما نهض الحسین (علیه السلام) بدأ بمشروع عالمیّ مستقبلیّ واستنصر المسلمین لیعینوه على إنجاز المشروع، بید أنه قد شرط شرطا فی قبول النصرة وقال منذ انطلاقته: " من کان باذلا فینا مهجته و موطنا على لقاء الله نفسه فلیرحل معنا" [اللهوف، ص60] هذا کان شرط الحسین (علیه السلام) فی قبول الأنصار، وهذا هو المعیار الأصیل فی تمییز الحسینیّ عن غیره.

فالحسینیّ الحقیقی هو الذی عرف أهداف ثورة الحسین ( علیه السلام) فی هذا الزمان وشخّص ما یریده الإمام من المسلمین فی هذا العصر واستعدّ للشهادة وبذل النفس والنفیس دون هذا الهدف، فشتّان بین بکاء هذا الإنسان ولطمه على سید الشهداء (علیه السلام) وبین من شغلته سمعة موکبه وهیئته عن أهداف الحسین (علیه السلام).

بقدر ما اقتربت مجالسنا من أهداف الإمام الحسین (علیه السلام) وحاولت أن تشحن الناس غضبا على أعداء الإسلام وعشقا للشهادة فی سبیل الإسلام، یمکن أن نعتبرها حسینیة وعلى خطّ الحسین (علیه السلام).

لقد أخذ الحسین (علیه السلام) بید القاسم وجاء به إلى کربلاء لیَسمع العالم کله أن الموت عند هذا الصبیّ أحلى من العسل وکان کل قلقه لیلة العاشر من محرّم هو أنه هل سینال غایة أمله ویتشحط بدمه بین یدیّ أبی عبد الله أم لا؟ أما إذا نسینا الأهداف السامیة من ثورة الحسین (علیه السلام) قد یصل بنا الأمر إلى أن نجعل من القاسم رمزا ومثالا للشابّ الخائب المسکین الذی کان کل همّه الزواج مع خطیبته، فحال الموت بینه وبین آماله!

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

17ـ إنه دورة مکثفة

إن أکثر المراکز التعلیمیة والتدریبیة والتربویة التی تستقطب عددا من العناصر أو الطلاب ونحو ذلک قد وضعت مجموعة من الأهداف أمامها لتصبو إلیها وتحاول أن تأخذ بید عناصرها إلى تلک الأهداف. کالجامعة التی تهدف إلى تخریج کوادر کفوءة فی مختلف التخصصات اللازمة لبناء البلد، أو المعاهد الفنیة التی تسعى لتعلیم الفن والمهن للطلاب. إن هذه المؤسسات والمدارس والمعاهد ومن أجل الوصول إلى أهدافها تضع برنامجا ثابتا ومن خلاله تسعى لتحقیق الأهداف.

الأسلوب الذی تعتمده أکثر المؤسسات والمدارس والجامعات هو أن لا تکتفی بنظامها الرتیب الیومی ولا تعتبره کافیا فی إنجاز ما تطمح إلیه، بل ترفق إلى جانبه بعض الدورات والمخیمات التأهیلیة للطلاب والعناصر، وذلک من أجل أن تساعد العناصر لتحقیق الأهداف التی لا یمکن الوصول إلیها عبر ذلک النظام الرتیب.

لا ننس أن هذه الدنیا عبارة عن معهد تعلیم ومرکز تدریب هیأه الله سبحانه وتعالى للإنسان لیطوّر ذاته ویکسب الفضائل ویتحلّى بالقیم الإلهیة. فأعد الله برنامجا واسعا شاملا للإنسان لیمشی على أساسه ویترقّى بموجبه. لکن یبدو أنّ الله سبحانه لم یکتف أیضا بالبرنامج الروتینی الیومی للإنسان ولهذا نجده أعدّ بعض الدورات والمخیّمات المکثفة للإنسان، من قبیل شهر رمضان الذی یمثل الدورة المکثّفة، وکذلک الحجّ الذی عبارة عن مخیم رائع لتدریب الإنسان على العبودیة.

وأما هذا الموسم (محرم وصفر) الذی نعیشه ونحییه بالمجالس والمآتم فلابد أیضا أن نعتبره دورة مکثفة لتأخذ بید الإنسان إلى أهداف لا تدرک إلا عن طریق البکاء وإقامة العزاء على الحسین (علیه السلام) وإشاعة ثقافة کربلاء.

إن هذه الرؤیة إلى محرم وصفر وموسم عزاء أبی عبد الله الحسین (علیه السلام) تشحن الإنسان وتدفعه لأداء دور فعال فی هذه الأیام، إذ سوف لا ینظر إلى قضیة الحسین (علیه السلام) کقصة وتاریخ لا أثر لها سوى الثواب، بل یجدها طاقة حراریة ومحرّکا للفرد والمجتمع فی حیاته وحرکته الدینیة والاجتماعیة والسیاسیة والجهادیة وفی جمیع مجالات التطور والکمال.     

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

16ـ کنز لا یدرى ثمنه

عندما یوجب الله سبحانه وتعالى عملا معینا أو یندب إلى أداء عمل خاص، عادة ما یکتفی بإعطاء الحکم وبیان شیء یسیر من فوائده وحسب. وکذلک الحال بالنسبة إلى أسلوب أهل البیت (علیهم السلام) فی الکلام عن العبادات والواجبات والمستحبات، إذ لا یکشفون آثار العمل وحقیقته تماما، بل یکتفون ببعض الإشارات لا أکثر.

أضرب مثالا؛ من المؤکد أن الله سبحانه وتعالى قد أعدّ مجموعة کبیرة من الأهداف السامیة للإنسان، ثم بدأ بتصمیم کیفیة الصلاة بحیث تأخذ بید الإنسان إلى تلک الأهداف، ولکن لم یکشف الله تلک الغایات بتمامها ولم یطلع الناس على تفاصیل العلاقة بین أعمال وأذکار الصلاة وتلک الغایات. نعم، لقد قال سبحانه: (وَ أَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى‏ عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْکَر) [العنکبوت: 45] ولکن تبقى التفاصیل مستورة لا یعلمها أحد. إذ لا یشرح سبحانه کیفیة تأثیر الصلاة على استئصال بعض الرذائل الأخلاقیة، أو کیفیة تأثیرها على ارتقاء أخلاق الإنسان، أو طریقة عملها على تکوین ملکة الورع والتقوى فی روح الإنسان، أو مدى تأثیرها على الرزق والصحة فی هذه الدنیا وما هی علاقتها على الأحوال الجویة والبیئیة ونزول الأمطار وغزارة الأنهار و  فیبدو أن الله أراد أن نعیش هذا الغموض أثناء عملنا بالإسلام، ولعل السبب هو أنه أراد أن یؤدی الإنسان هذه العبادات بدافع الطاعة والاعتماد على الله.

ومن أبرز مصادیق الأعمال العظیمة التی لا نستطیع أن نعرف آثارها جیدا، ولا ندری ماذا رتّب الله علیها من آثار، هو ذکر مصائب الحسین والبکاء على الحسین (علیه السلام). یفهم من بعض الروایات أن قضیة الحسین مشروع لحفظ الإسلام وإن مجالس الحسین وظاهرة العزاء والبکاء على الحسین إنما هی استمرار وامتداد لتلک الثورة التی فجرها الحسین بدمائه. إن الثواب الذی أعده الله سبحانه لأی عمل مرتبط بقضیة الحسین عجیب غریب. وکل هذا یشیر إلى أن إحیاء قضیة الحسین عمل عظیم لا تحصى أبعاده وآثاره وبرکاته.

إن هذه الرؤیة تزید الإنسان تواضعا فی مجالس الحسین کما تزیده بصیرة تجاه هذه المدرسة العظیمة. سوف یعلم بهذه الرؤیة أن موسم محرم وصفر لیس موسما لکسب الثواب فقط، بل هو مدرسة تعطی کل ما یحتاجه الإنسان فی مسیره نحو الله، من البصیرة والشجاعة والصبر والإیثار والعزم والعبادة والرحمة وجمیع مکارم الأخلاق. هذا هو أثر البکاء على الحسین (علیه السلام) على سبیل الإجمال، وأما تفصیل الأمر وحقیقته فهو سرّ لا یعلمه إلا الله.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

15ـ هذه هی مدرسة هولیود

إن هذا الجیل هو جیل الفضائیات ولعل کل واحد منّا قد رأى المئات من الأفلام والمسلسلات الغرامیة أو التی تتضمن على لقطات الغرام. فهذا الجیل شاء أم أبى قد تثقف بثقافة هذه المسلسلات والأفلام، والتی هی بمثابة السمّ لکیان الأسرة وسعادتها.

إن الرجل المثالی الذی تصوره هذه الأفلام هو الولد الشابّ الجمیل الذی لا یقلّ طوله عن 185س، ومواصفاته تنطبق على مواصفات عارضی الأزیاء، صوته جمیل، شعره جمیل، حرکاته جمیلة، وعندما یتکلم یبدع فی إظهار الحبّ والعشق بأسلوبه الرائع. وأما المرأة المثالیة التی تصورها هذه الأفلام الهولیودیة فهی التی قمة فی ظاهرها وفی کل شیء... 

ثم إذا أراد المخرجون أن یصوروا سعادة هذین الزوجین فیصوروهما فی أرقى المطاعم أو فی أجمل الحدائق والبساتین أو فی الساحل؛ فلا نجد لقطات السعادة فی البیت وأثناء یومیات حیاتهم الطبیعیة.

إن بیت هذین الشابیّن عادة ما یصوّر بیتا فخما نظیفا جدا، ولکن لا نرى لقطات اشتغال المرأة بتنظیف البیت وغسل الملابس والأوانی والطبخ؛ إذ لا یعرف المخرج الهولیودی أیة علاقة بین عمل المرأة فی المنزل وبین سعادتها. وقلیلا ما نجد لقطات عمل الرجل وکدّه لتحصیل المال من أجل زوجته وأسرته، إذ فی رؤیة المخرجین فی هولیود لیس هناک أی تناسب بین السعادة وبین الکدّ والعمل والتعب من أجل الزوجة والأهل

طبعا کل هذا بالنسبة إلى الأسرة السعیدة أو فترة سعادة الأسرة، وأما إذا أرادوا أن ینتجوا تراجیدیا أو فیلما هندیا فأول علامة شقاء الأسرة وعدم سعادتها هی أن تباشر المرأة بغسل الملابس ونشرها على الحبال فی الجوّ البارد، وابنها یبکی!!! والرجل یعمل من الصبح إلى المساء بعمل بسیط ثم یشتری بعض البضائع ویأتی بها إلى البیت...!!! ثم بعد ذلک یتناول المخرج مشاکل الأسرة فی إطار هذه الصور التعیسة برأیه!!! إذن أصبحت معالم الأسرة التعیسة هی أن الرجل یعمل من أجل عیاله والمرأة تخدم زوجها وأولادها ولهم ذریة وأولاد!!! وأما الأسرة السعیدة المثالیة فهی الأسرة العقیمة التی لا تنجب ذریة ولیس فیها من یخدم الآخر؛ إذ لا المرأة تخدم بعلها بالعمل فی البیت ولا الرجل یخدم زوجه من خلال العمل خارج البیت، فلیس شأنهما سوى الانتفاع والالتذاذ بالآخر وحسب!!! 

هذه هی الدروس التی تعطیها مدرسة هولیود. إذن لابد للمتخرج من هذه المدرسة، وهو الذی عکف على التلفاز یتابع المسلسلات واحدة تلو الأخرى، أن یکون أنانیا، فلا یقدم على الزواج من أجل خدمة زوجه، بل من أجل استمتاعه فحسب. وبالتالی فلا یرضى الشابّ بکل فتاة ولا ترضى الفتاة بکل شابّ، وإذا حصل الزواج فهو على شفا حفرة من نیران الطلاق.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

14ـ المنافقون عقلاء أکثر من اللازم

عندما ینظر المنافق إلى جمهور المؤمنین یرى أنهم آمنوا بالنبیّ بکل سهولة وبساطة، بلا أن یفکروا ویبحثوا بشکل کامل. إذ بمجرد أن یسمعوا کلام النبیّ أو یسمعوا آیات من القرآن أو یشاهدوا معجزة من النبی (صلى الله علیه وآله) أو یشاهدوا موقفا واحدا من أخلاق النبی یتأثرون کثیرا وتفیض أعینهم ویمتلئون حبا وإیمانا برسول الله ویسلمون ویؤمنون.

هکذا قد آمن المؤمنون وهو الواقع فعلا؛ حیث یبدو ـ والله العالم ـ أن الإیمان لا یحتاج إلى الاستدلال والبرهان العقلی بقدر حاجته إلى طهارة النفس وصفاء الروح، وإلا فیمکن الإشکال على أسلوب إیمان المؤمنین بسبب عدم إقامة البرهان العقلی على إیمانهم فی تلک اللحظة.

ولعل المنافقین کانوا یرددون أمثال هذه الشبهات ویصورون أنفسهم علماء وباحثین لا یقتنعون بشیء ولا یؤمنون به ما لم یقم علیه برهان وسلطان مبین. فإذا احتج علیهم أحد بإیمان جمهور المؤمنین، یقولون: نحن نرى کیف یؤمن أتباع هذا الرجل… إن إیمان هؤلاء نتیجة استماعهم لآیتین، أو حصیلة موقف واحد مع صاحب هذا الدین، أو بسبب جواب صحیح  واحد استلموه من النبی، فهل تطالبنا بأن نؤمن ونسلّم أنفسنا وأموالنا وعرضنا ودیننا وآخرتنا بهذا المنطق الضعیف ولا نبحث ولا نحقق فی الموضوع؟! (وَ إِذا قیلَ لَهُمْ آمِنُوا کَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَ نُؤْمِنُ کَما آمَنَ السُّفَهاء) [البقرة: 13]

هذا هو موقف المنافقین على مرّ التاریخ تجاه الحق وقادة الحق، حیث یعتبرون المؤمنین وأتباع الحق سفهاء ویستهزؤون بسرعة إیمانهم وبساطتهم فی الإیمان واتباع نهج الحق، وکلما ناقشهم أحد وأرغمهم ببراهینه واستدلالاته، یقولون لا یمکن أن تنحل هذه المشکلة بهذه السهولة ونحتاج إلى مزید من البحث والتحقیق.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

13ـ الخوف والرجاء فی واقعة کربلاء

لیت کنا نستطیع أن نلتقی بقتلة الحسین (علیه السلام) من أهل الکوفة ونسألهم هل کنتم تحتملون أن تتورطوا بهذه الجریمة البشعة؟ من المؤکد أنهم لم یکونوا یتوقعون أن یسفّوا إلى هذا المستوى من الحضیض والانحطاط، وذلک لأن أهل الکوفة هم الذین أرسلوا عشرات الآلاف من الرسائل للإمام وأعدّوا أنفسهم لنصرته، وهم الذین سبقوا باقی الأقوام والشعوب فی الاستعداد لنصرة الحسین (علیه السلام) وهم الذین دعوا الإمام وراحوا ینتظرونه لیل نهار. هذا کان حال أهل الکوفة عندما انطلق الحسین (علیه السلام) لمواجهة یزید. فهل کانوا یتوقعون بأنهم سیؤدون الدور الرئیس فی جریمة قتل الحسین (علیه السلام)؟! بالتأکید کلا.

لا نرید أن ندخل فی تفاصیل الموضوع ونبحث فی أسباب هذا الحدث والانحطاط ولکن الحقیقة الواضحة التی قد تبلورت جلیا فی هذه الواقعة ولابد أن نجعلها نصب أعیننا هی أن مجال السقوط مفتوح إلى هذه الدرجة. ولعل هذه الحقیقة تمثل أهمّ عبرة من عبر معرکة کربلاء.

إن واقعة کربلاء تبیّن أنه یمکن لأمة لها سابقة فی الإیمان والإسلام أن تهوی وتسقط عن مکانتها وتصبح مثلا یضرب بها فی سوء العاقبة. کما یمکن ذلک للفرد أیضا فقد أشار القرآن الکریم إلى نماذج من الأفراد الذین ساءت عاقبتهم وأصبحوا مثلا لسوء العاقبة وعلى رأسهم إبلیس اللعین الذی حبطت أعماله بعد ستة آلاف سنة قضاها فی العبادة والإطاعة، فأحبط عمله الطویل وجهده الجهید عن کبر ساعة وأصبح رجیما ولعینا إلى أبد الآبدین. 

ومن جانب آخر إن واقعة کربلاء تمثل مشهدا تجلت فیه أروع صور الهدایة والتوبة وحسن العاقبة. إن قصصها وأحداثها خیر شاهد على غایة حلم الله وسعة رحمته. لقد أتم الحرّ وزهیر بن القین وغیرهم الحجة على کل المذنبین والمبتعدین عن درب الحقّ فی أن الله تواب رحیم وقد فتح مجال الارتقاء والتحلیق فی الدرجات العلیا لکل الناس، حتى لمن تورط بظلم الحسین (علیه السلام).

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

12ـ وجود الأعداء نعمة فلا تغفل عن شکرها

 

 

إن بعض المجتمعات و الشعوب محرومة من وجود الأعداء، أو لم یلفتوا نظر أعدائهم . ولکن نحن المسلمون و خاصة نحن أتباع أهل البیت (علیهم السلام) فنحظی بوجود عدو لدود حقود لا یغفل عنا و عن عدائنا طرفة عین.
أعداؤنا أي الحکومة الأمریکیة والبریطانیة و الکیان الغاصب الإسرائیلی، هم الآن تحملوا بدلا عنا أعباء دراسة شعوبنا واحصاء نقاط ضعفنا وقوتنا. هم الآن یدرسون دیننا وکتابنا ونظریاتنا وسیاسة قائدنا و... لکي یحصلوا على الطریقة والخطة المثلى للقضاء علینا.

فأصبح یعلم جیدا عناصر قوتنا، إذ هو الذي یتلقى الصفعات واللطمات على وجهه، فیعلم مصدرها ومنشأها جیدا.

فهم یخططون بهذه البصیرة والدقة العالیة للقضاء علینا ویحاولون أن یغذونا کما یشاؤون. ألا ینبغی أن نغتنم هذه الفرصة ونسمع کلامهم ونستفید منه جیدا؟

تقاریر الأعداء وکلامهم معنا وإرشاداتهم لنا، هی من أهم عوامل سعادتنا فی الدنیا والآخرة، ولکن یجب أن تترجم عکسا فقط.

فإذا رأیناهم یضربون على وتر القومیة والعروبة وبدأوا یروجون لهکذا أدبیات وألفاظ من قبیل الوطن العربی والفکر العربی والدول العربیة والمکتبة العربیة و البطیخ العربی والطماطا العربیة... وهم غربیون بعیدون کل البعد عن العروبة، فلابد أن نعلم بأنها خطة لإبعادنا عن الإسلام. فینبغی أن نبتعد من هذا الفکر الشیطانی.

وإذا رأیناهم یروجون فکرة فصل الدین عن السیاسة، یجب أن نعلم بأنها فکرة ونظریة من شأنها أن تقضی على الإسلام والمسلمین برمتهم. فلابد أن نترکها ونتوقاها و نجعل سیاستنا دیانة ودیانتنا سیاسة.

وعندما نرى إعلامهم یحاول أن یفرق بین المسلمین بشتى الوسائل وخاصة عن طریق النزاع الطائفی، یجب أن نعلم أنهم یعتبرون هذا النزاع بصلاحهم ویمکنهم ضرب الإسلام من خلاله.

وإذا شاهدنا فضائیاتهم تتکلم على إیران وحزب الله و تتهمهم بتهم کثیرة وتعتبرهم إرهابیین، یجب أن نعلم بأنهم یریدون إبعاد الشعوب عن إیران وحزب الله. فیصبح تکلیفنا بطبیعة الحال هو الدفاع والولاء لهما مهما شاهدنا من أخطاء وثغور.

وإذا رأیناهم یحاولون بشتى الوسائل أن یعطوا صورة مشوهة عن ولایة الفقیه وولی الفقیه، فلابد أن نعلم بأنها قد قصمت ظهرهم وهم یخافون جدا من إقبال المسلمین وتعرفهم على ولایة الفقیه.

وهکذا وبهذه الطریقة السهلة، یمکن أن نخطو خطواتنا نحو کمالنا وازدهارنا وأن نکسر العدو. وهذا کله بالاستفادة من تجاربهم وکلامهم وخبرتهم العریقة فی هذا المجال. ألا یصح أن نعتبرهم نعمة من نعم الله علینا التی لا تحصى؟

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

11ـ سعر الفتوة مقطوع بلا تخفیض

لقد انطوت قصص القرآن أو تاریخ الأنبیاء والأولیاء على قاسم مشترک وهو انقسام الأمم والناس إلى أهل الحق وأهل الباطل، وعادة ما یکون أهل الباطل هم الأکثریة الساحقة وأهل الحق ثلة قلیلة مضطهدة… ألیس کذلک؟

عندما نستذکر هذه القصص والمقاطع التاریخیة قد نحاول أحیانا أن نتصور أنفسنا فی ذلک الموقف لنرى إلى أیّ الفریقین کنا نمیل لو عشنا تلک الظروف وتلک الواقعة. فقد نسأل أنفسنا وهو نعم السؤال أن ما کنا نفعل لو کنا فی زمن أصحاب الکهف وتعرفنا علیهم قبل اعتزالهم وهجرتهم، وما کنا نعمل لو کنا فی زمن نوح (ع) ودعانا إلى رکوب السفینة. وما کان موقفنا لو عشنا فی زمن أحد الأنبیاء من عاد وثمود ولوط وشعیب وغیرهم إذ یدعون أقوامهم ولا یؤمن بهم إلا الأندر من الناس. وما کنا نفعل لو کنا حاضرین فی جلسة إنذار الأقربین ونرى أن رجلا یدّعی النبوة وأقبل یوصی بولایة ابن عمه ولم یؤمن به أحد من کبار القوم ووجهاء العشیرة بعد؟ وما لو کنا فی الکوفة إذ تخلى الناس عن مسلم وتفرّق الجمع من حوله وأصبح وحیدا غریبا بلا معین ونصیر والوالی قد استعمل أنواع القمع والتهدید لإرعاب الناس من نصرة الإمام الحسین؟…

والأهم من السؤال أسلوب الإجابة عنه. إذ تجد بعض الناس یواجه نفسه بهذه الأسئلة ولکنه بمجرد أن یرجع إلى نفسه ویجد حبّ الأنبیاء والأولیاء وأصحاب الحق فی قلبه، یأخذ راحته ویطمئن قلبه ویعتبر نفسه فی عداد سلمان وأبی ذر…! قد یکون منهم ولکن لیس هذا بالأسلوب الصحیح فی الإجابة.

یجب أن ندرس خصائص أهل الحق وصفاتهم لنکتشف السبب فی فلاحهم ودخولهم فی زمرة أهل الحق. یجب أن ندرس صفات أصحاب الکهف وأتباع الأنبیاء وأصحاب النبی وأمیر المؤمنین والإمام الحسین (علیهم السلام) وجمیع أصحاب الحق فی التاریخ لنرى ما هی الصفات والخصائص التی امتازوا بها عن باقی الناس ورفعتهم إلى هذا المقام، وهل نملک هذه الصفات والخصائص؟

یجب أن نرى لماذا رغب أکثر الناس عن الحق وما هی الصعاب والشدائد التی تواجه أهل الحقّ فی هذا الدرب.

فهل یستطیع من جعل همّه إرضاء الناس واتباع ما یسلکه الناس أن یصاحب فتیة أهل الکهف؟ وهل یمکن مصاحبتهم من دون التحرر عن التعلق بالأهل والأولاد؟ وهل یقدر من یخشى استهزاء الآخرین ویحسب لکلام الناس ألف حساب أن یرکب سفینة نوح مع أن القرآن یقول (وَ یَصْنَعُ الْفُلْکَ وَ کُلَّما مَرَّ عَلَیْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْه‏) [هود: 38] وهل یطیق اتباع حرکة الأنبیاء وقد استُهزئ بجمیعهم (یا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما یَأْتیهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُن‏) [یس: 30] وهل یمکن لمن لم یقلع جذور العصبیة القبلیة والعشائریة من قلبه أن یعشق أمیر المؤمنین ویتّبع نهجه وقد قتل أقربائه وإخوانه فی الحروب؟ وهل یستطیع من تعوّد التکبر على الشباب والصغار أن یخضع لولایة الأنبیاء والأوصیاء إن کانوا أصغر منه سنا؟ وکیف یتبع حجج الله ویخضع لولایتهم من ابتلى بحسد الأخیار وأصحاب الفضل والعلم؟…

فإن کان اتباع الأنبیاء وسلوک درب الحق بحاجة إلى التضحیات والمغامرات ولم یعتنق الحق إلا من تحلّى بصفات عالیة ونادرة، فلا یمکن اتباع هذا النهج فی هذا الیوم بالولائم والعزائم وحیاة الراحة والدعة. وإن کانت التضحیة بالمال والنفس والسمعة ثمن اتباع الحق فی زمن الأنبیاء، فلا یمکن أن یتغیر هذا السعر وینزل إلى مستوى الحضور بالمجالس والفواتح دون أی شیء آخر. (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا یَأْتِکُمْ مَثَلُ الَّذینَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِکُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرَّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى‏ نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَریب‏) [البقرة: 214]

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري

10ـ فلتمسوا نورا

لا شک فی أن سلوک درب الحق بحاجة إلى نور ولولاه لما أمکن للإنسان أن یخطو إلى الکمال. والنور الذی یحتاجه الإنسان هنا لیس نور المصباح أو الفانوس، بل هو نور الإیمان ونور البصیرة ونور الهدایة… وسوف تتجلى هذه الحاجة یوم القیامة إذ یشعر الإنسان یومئذ بالحاجة الماسّة إلى النور، ولکن غیر المؤمن محروم، باعتباره لم یشعل هذا النور فی حیاته الدنیویة، فیصبح مظلما هناک لا یهتدی إلى سبیل. ثم یضطر إلى أن یسأل المؤمنین شیئا من النور، ولکن لا یجد أحدا یعطف علیه بقبس؛ (یَوْمَ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذینَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِکُمْ قیلَ ارْجِعُوا وَراءَکُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) [الحدید: 13] 
الإیمان الضعیف یحکی عن وجود نور ضعیف، والإیمان القویّ یدلّ على النور القویّ. وکلما ازداد نور الإنسان تزداد بصیرته فی کشف الحقائق، کشأن النور المادی والطبیعی الذی کلما یزداد قوة، یمکّن الإنسان من مشاهدة الأشیاء الأصغر والأبعد.
قد لا یمکن تشخیص مقدار نور الأشخاص فی الظروف العادیّة، ولکن عندما تأتی الفتن ویشتدّ الامتحان یتّضح صاحب النور عن غیره. فکل هذه المصائب من زلّة القدم والشکّ فی الحقّ والجهل بالتکلیف وعدم التمییز بین الحقّ والباطل وبین العدو والصدیق وغیرها من الزلات نتیجة عدم وجود النور الکافی فی قلب الإنسان. إذ هناک بعض الحقائق لا یمکن إدراکها إلا بهذا النور، فهی خفیّة عن الإنسان المظلم حتى ولو قرأ الصحف کلها واستمع إلى الفضائیات بأجمعها وختم کتب العالم من أولها إلى آخرها وحصّل على ستین شهادة علیا. لا یفید مولانا
وأما السبیل إلى ازدیاد النور فمفتوح، وهو أن تؤمن بالحق کلما واجهت أحد مصادیقه فی حیاتک. فحاول أن لا تنکر کلمة الحق أینما وجدت وکیفما کانت، یشتدّ نور قلبک لا محالة. وهذه حقیقة تقدمها لنا قصة فتیة أهل الکهف، إذ هکذا عرفهم الله فی بدایة القصة قائلا: (إِنَّهُمْ فِتْیَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُدىً) [الکهف: 13] فطوبى لمن جعل هدفه الرئیس توفیر النور بدلا عن تجمیع المال وتکویم المعلومات.

۰ تعداد التعليقات موافقين ۰ مخالفين ۰
مقدام باقر الحيدري